الدين أمر عظيم فيحتاط فيه ما لا يحتاط في غيره والله تعالى الموفق.
والظاهر أن المراد باقتراب الساعة القرب الشديد الزماني، وكل آت قريب، وزمان العالم مديد، والباقي بالنسبة إلى الماضي شيء يسير، ومال الإمام إلى أن المراد به قربها في العقول والأذهان، وحاصله أنها ممكنة إمكانا قريبا لا ينبغي لاحد إنكارها، واستعمال الاقتراب مع أنه أمر مقطوع به كاستعمال لَعَلَّ في قوله تعالى: لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيباً [الأحزاب: ٦٣] مع أن الأمر معلوم عند الله تعالى وانشقاق القمر آية ظاهرة على هذا القرب، وعلى الاول قيل: هو آية لأصل الإمكان الذي يقتضيه قرب الوقوع، وقيل: هو آية لقرب الوقوع ومعجزة للنبي صلّى الله عليه وسلم باعتبار أن الله تعالى مخبر في كتبه السالفة بأنه إذا قربت الساعة انشق القمر معجزة وكلاهما كما ترى، واختار بعضهم أنه آية لصدق النبي عليه الصلاة والسلام في جميع ما يقول ويبلغ ربه سبحان لأنه معجزة له صلّى الله عليه وسلم ومنه دعوى الرسالة والإخبار باقتراب الساعة وغير ذلك، وآيَةً نكرة في سياق الشرط فتعم، فالمعنى «وإن يروا كل آية يعرضوا» عن التأمل فيها ليقفوا على وجه دلالتها وعلو طبقتها وَيَقُولُوا سِحْرٌ أي هذا أو هو أي ما نراه سحر مُسْتَمِرٌّ أي مطرد دائم يأتي به محمد صلى الله تعالى عليه وسلم على مر الزمان وهو ظاهر في ترادف الآيات وتتابع المعجزات.
وقال أبو العالية والضحاك: مُسْتَمِرٌّ محكم موثق من المرة بالفتح أو الكسر بمعنى القوة وهو في الأصل مصدر مررت الحبل مرة إذا فتلته فتلا محكما فأريد به مطلق المحكم مجازا مرسلا، وقال أنس ويمان ومجاهد والكسائي والفراء- واختاره النحاس- مستمر أي مارّ ذاهب زائل عن قريب عللوا بذلك أنفسهم ومنوها بالأماني الفارغة كأنهم قالوا: إن حاله عليه الصلاة والسلام وما ظهر من معجزاته سبحانه سحابة صيف عن قريب تقشع وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [التوبة: ٣٢] وقيل: مُسْتَمِرٌّ مشتدّ المرارة أي مستبشع عندنا منفور عنه لشدة مرارته يقال: مرّ الشيء وأمرّ إذا صار مرّا وأمرّ غيره ومرّه يكون لازما ومتعديا، وقيل: مُسْتَمِرٌّ يشبه بعضه بعضا أي استمرت أفعاله على هذا الوجه من التخييلات، وقيل: مُسْتَمِرٌّ مار من الأرض إلى السماء أي بلغ من سحره أنه سحر القمر وهذا ليس بشيء، ولعل الأنسب بغلوهم في العناد والمكابرة ما روي عن أنس ومن معه، وقرىء- وأن يروا- بالبناء للمفعول من الاراءة وَكَذَّبُوا النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وبما أظهره الله تعالى على يده من الآيات وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ التي زينها الشيطان لهم، وقيل: كَذَّبُوا الآية التي هي انشقاق القمر وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وقالوا سحر القمر أو سحرت أعيننا والقمر بحاله، والعطف على الجزاء السابق وصيغة الماضي للدلالة على التحقق، وقيل: العطف على اقْتَرَبَتِ والجملة الشرطية اعتراض لبيان عادتهم إذا شاهدوا الآيات، وقوله تعالى: وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ استئناف مسوق للرد على الكفار في تكذيبهم ببيان أنه لا فائدة لهم فيه ولا يمنع علو شأنه صلى الله تعالى عليه وسلم، أو لإقناطهم عما علقوا به أمانيهم الفارغة من عدم استقرار أمره عليه الصلاة والسلام حسبما قالوا: سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ببيان ثبوته ورسوخه أي وكل أمر من الأمور منته إلى غاية يستقر عليها لا محالة ومن جملتها أمر النبي صلى الله تعالى عليه وسلم فسيصير إلى غاية يتبين عندها حقيته وعلو شأنه، وللإشارة إلى ظهور هذه الغاية لأمره عليه الصلاة والسلام لم يصرح بالمستقر عليه، وفي الكشاف أي كل أمر لا بدّ أن يصير إلى غاية يستقر عليها وأن أمره صلّى الله عليه وسلم سيصير إلى غاية يتبين عندها أنه حق أو باطل وسيظهر له عاقبتهم أو وكل أمر من أمره عليه الصلاة والسلام وأمرهم مستقر أي سيثبت ويستقر على حالة نصرة أو خذلان في الدنيا أو سعادة وشقاوة في الآخرة، قال في الكشف: والكلام على الأول تذييل جار مجرى المثل وعلى الثاني تذييل غير مستقل، وقرأ شيبة