«مستقر» بفتح القاف ورويت عن نافع، وزعم أبو حاتم أنها لا وجه لها وخرجت على أن مستقرا مصدر بمعنى استقرار، وحمله على كل أمر بتقدير مضاف أي ذو مستقر ولو لم يقدر وقصد المبالغة صح، وجوز كونه اسم زمان أو مكان بتقدير مضاف أيضا أي ذو زمان استقرار، أو ذو موضع استقرار، وتعقب بأن كون كل أمر لا بد له من زمان أو مكان أمر معلوم لا فائدة في الأخبار به، وأجيب بأن فيه إثبات الاستقرار له بطريق الكناية وهي أبلغ من التصريح.
وقرأ زيد بن علي «مستقر» بكسر القاف والجر، وخرج على أنه صفة أمر وأن كل معطوف على الساعة أي اقتربت الساعة واقترب كل أمر يستقر ويتبين حاله أي بقربها، قال في الكشف: وفيه شمة من التجريد وتهويل عظيم حيث جعل في اقترابها اقتراب كل أمر يكون له قرار وتبين حال مما له وقع، وقوله تعالى: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ على هذا إما على تقدير قد وينصره القراءة بها، وإما منزل منزلة الإعراض لكونه مؤكدا لقرب الساعة، وقوله سبحانه: وَإِنْ يَرَوْا آيَةً إلخ مستطرد عند ذكر انشقاق القمر.
واعترض ذلك أبو حيان بأنه بعيد لكثرة الفواصل بين المعطوف والمعطوف عليه وجعل الكلام عليه نظير- أكلت خبزا، وضربت خالدا، وإن يجىء زيد أكرمه، ورحل إلى بني فلان، ولحما بعطف- لحما على خبزا- ثم قال بل لا يوجد مثله في كلام العرب، وتعقب بأنه ليس بشيء لأنه إذا دل على العطف الدليل لا يعد ذلك مانعا منه على أن بين الآية والمثال فرقا لا يخفى، وقال صاحب اللوامح إن مُسْتَقِرٌّ خبر كل، والجر للجوار، واعترضه أبو حيان أيضا بأنه ليس بجيد لأن الجر على الجوار في غاية الشذوذ في مثله إذ لم يعهد في خبر المبتدأ، وإنما عهد في الصفة على اختلاف النحاة في وجوده، واستظهر كون كل مبتدأ وخبره مقدر كآت، أو معمول به ونحوه مما يشعر به الكلام أو مذكور بعد وهو قوله تعالى: حِكْمَةٌ بالِغَةٌ وقد اعترض بينهما بقوله سبحانه: وَلَقَدْ جاءَهُمْ في القرآن مِنَ الْأَنْباءِ أي أخبار القرون الخالية أو أخبار الآخرة، والجار والمجرور في موضع الحال من ما في قوله عز وجل: ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ قدم عليه رعاية للفاصلة وتتويقا إليه ومِنَ للتبعيض، أو للتبيين بناء على المختار من جواز تقديمه على المبين، قال الرضى: إنما جاز تقديم مِنَ المبينة على المبهم في نحو- عندي من المال ما يكفي- لأنه في الأصل صفة لمقدر أي شيء من المال، والمذكور عطف بيان للمبين المقدر قبلها ليحصل البيان بعد الإبهام أي بالله لقد جاءهم كائنا من الأنباء ما فيه ازدجار لهم ومنع عما هم فيه من القبائح، أو موضع ازدجار ومنع، وهي أنباء التعذيب، أو أنباء الوعيد، وأصل مُزْدَجَرٌ مزتجر بالتاء موضع الدال وتاء الافتعال تقلب دالا مع الدال والذال والراء للتناسب، وقرىء مزجر بقلبها زايا وإدغام الزاي فيها، وقرأ زيد بن علي مزجر اسم فاعل من أزجر أي صار ذا زجر كأعشب صار ذا عشب حِكْمَةٌ بالِغَةٌ أي واصلة غاية الإحكام لا خلل فيها، ورفع حِكْمَةٌ على أنها بدل كل، أو اشتمال من ما، وقيل: من مُزْدَجَرٌ أو خبر مبتدأ محذوف أي هي، أو هذه على أن الإشارة لما يشعر به الكلام من إرسال الرسل وإيضاح الدليل والإنذار لمن مضى، أو إلى ما في الأنباء، أو إلى الساعة المقتربة، والآية الدالة عليها- كما قاله الإمام وتقدم آنفا- احتمال كونها خبرا عن كل في قراءة زيد، وقرأ اليماني حِكْمَةٌ بالِغَةٌ بالنصب حالا من ما فإنها موصولة أو نكرة موصوفة، ويجوز مجيء الحال منها مع تأخرها أو هو بتقدير أعني.
فَما تُغْنِ النُّذُرُ نفى للإغناء أو استفهام إنكاري والفاء لترتيب عدم الإغناء على مجيء الحكمة البالغة مع كونه مظنة الإغناء وصيغة المضارع للدلالة على التجدد والاستمرار، وما على الوجه الثاني في محل نصب على أنها مفعول مطلق أي فأي إغناء تغني النذر، وجوز أن تكون في محل رفع على الابتداء، والجملة بعدها خبر، والعائد مقدر أي فما تغنيه النذر وهو جمع نذير بمعنى المنذر، وجوز أن يكون جمع نذير بمعنى الإنذار، وتعقب بأن حق