المصدر أن لا يثنى ولا يجمع وأن يكون مصدرا كالإنذار، وتعقب بأنه يأباه تأنيث الفعل المسند إليه وكونه باعتبار أنه بمعنى النذارة لا يخفى حاله فَتَوَلَّ عَنْهُمْ الفاء للسببية والمسبب التولي أو الأمر به والسبب عدم الاعناء أو العلم به، والمراد بالتولي إما عدم القتال، فالآية منسوخة، وإما ترك الجدال للجلاد فهي محكمة والظاهر الأول يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ ظرف- ليخرجون- أو مفعول به لاذكر مقدرا، وقيل: لا نتظر، وجوز أن يكون ظرفا لتغني، أو لمستقر وما بينهما اعتراض، أو ظرفا- ليقول الكافر- أو- لتول- أي تول عن الشفاعة لهم يوم القيامة، أو هو معمول له بتقدير إلى، وعليه قول الحسن- فتول عنهم إلى يوم..
والمراد استمرار التولي والكل كما ترى، والداعي إسرافيل عليه السلام، وقيل: جبرائيل عليه السلام، وقيل:
ملك غيرهما موكل بذلك، وجوز أن يكون الدعاء للإعادة في ذلك اليوم كالأمر في كُنْ فَيَكُونُ [البقرة: ١١٧] وغيرها على القول بأنه تمثيل، فالداعي حينئذ هو الله عز وجل، وحذفت الواو من يَدْعُ لفظا لالتقاء الساكنين ورسما اتباعا للفظ، والياء من الدَّاعِ تخفيفا، وإجراء لال مجرى التنوين لأنها تعاقبه، والشيء يحمل على ضده كما يحمل على نظيره إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ أي فظيع تنكره النفوس لعدم العهد بمثله وهو هول القيامة ويكنى بالنكر عن الفظيع لأنه في الغالب منكر غير معهود، وجوز أن يكون من الإنكار ضد الإقرار وأيما كان فهو وصف على فعل بضمتين وهو قليل في الصفات، ومنه- روضة أنف لم ترع، ورجل شلل خفيف في الحاجة سريع حسن الصحبة طيب النفس، وسجح لين سهل وقرأ الحسن وابن كثير وشبل «نكر» بإسكان الكاف كما قالوا: شغل وشغل، وعسر وعسر وهو إسكان تخفيف، أو السكون هو الأصل والضم للإتباع، وقرأ مجاهد وأبو قلابة والجحدري وزيد بن علي «نكر» فعلا ماضيا مبنيا للمفعول بمعنى أنكر خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ حال من فاعل يَخْرُجُونَ أي يخرجون مِنَ الْأَجْداثِ أي القبور أذلة أبصارهم من شدة الهول أي أذلاء من ذلك، وقدم الحال لتصرف العامل والاهتمام، وفيه دليل على بطلان مذهب الجرمي من عدم تجويز تقدم الحال على الفعل وإن كان متصرفا، ويرده أيضا قولهم: شتى تؤب الحلبة، وقوله:
سريعا يهون الصعب عند أولي النهى ... إذا برجاء صادق قابلوا البأسا
وجعل حالا من ذلك لقوله تعالى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً [المعارج: ٤٣] إلى قوله تعالى: خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ [المعارج: ٤٣- ٤٤] وقيل: هو حال من الضمير المفعول المحذوف في يَدْعُ الدَّاعِ أي يدعوهم الداع وتعقب بأنه لا يطابق المنزل وأيضا يصير حالا مقدرة لأن الدعاء ليس حال خشوع البصر وليست في الكثرة كغيرها وكذلك جعله مفعول- يدعو- على معنى يدعو فريقا خاشعا أبصارهم أي سيخشع وإن كان هذا أقرب مما قبل: وقيل: هو حال من الضمير المجرور في قوله تعالى: فَتَوَلَّ عَنْهُمْ
وفيه ما لا يخفى، وأبصارهم فاعل خشعا وطابقه الوصف في الجمع لأنه إذا كسر لم يشبه الفعل لفظا فتحسن فيه المطابقة وهذا بخلاف ما إذا جمع جمع مذكر سالم فإنه لم يتغير زنته وشبهه للفعل فينبغي أن لا يجمع إذا رفع الظاهر المجموع على اللغة الفصيحة دون لغة أكلوني البراغيث، لكن الجمع حينئذ في الاسم أخف منه في الفعل كما قال الرضى، ووجهه ظاهر، وفي التسهيل إذا رفعت الصفة اسما ظاهرا مجموعا فان أمكن تكسيرها- كمررت برجل قيام غلمانه- فهو أولى من إفرادها- كمررت برجل قائم غلمانه- وهذا قول المبرد ومن تبعه والسماع شاهد له كقوله:
وقوفا بها صحبي عليّ مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجمّل