في البحر عن ابن عباس أيضا إلا أنه حلو، والجملة كالجملة التي قبلها.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ مُتَّكِئِينَ حال من قوله تعالى:- ولمن خاف- وجمع رعاية للمعنى بعد الإفراد رعاية اللفظ، وقيل: العامل محذوف أي يتنعمون متكئين، وقيل: مفعول به بتقدير أعني، والاتكاء من صفات المتنعم الدالة على صحة الجسم وفراغ القلب، والمعنى متكئين في منازلهم عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ من ديباج ثخين قال ابن مسعود- كما رواه عنه جمع وصححه الحاكم- أخبرتم بالبطائن فكيف بالظهائر، وقيل: ظهائرها من سندس، عن ابن جبير من نور جامد،
وفي حديث من نور يتلألأ
وهو إن صح وقف عنده.
وأخرج ابن جرير وغيره عن ابن عباس أنه قيل له: بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ فماذا الظواهر؟ قال: ذلك مما قال الله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: ١٧] وقال الحسن: البطائن هي الظهائر وروي عن قتادة، وقال الفراء: قد تكون البطانة الظهارة والظهارة البطانة لأن كلا منهما يكون وجها والعرب تقول: هذا ظهر السماء وهذا بطن السماء، والحق أن البطائن هنا مقابل الظهائر على الوجه المعروف، وقرأ أبو حيوة «فرش» بسكون الراء، وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك قال: قرأ عبد الله على «سرر. وفرش بطائنها من إستبرق» وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ أي ما يجنى ويؤخذ من أشجارهما من الثمار، فجنى اسم أو صفة مشبهة بمعنى المجني دانٍ قريب يناله القائم والقاعد والمضطجع، قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: تدنو الشجرة حتى يجتنيها ولي الله تعالى إن شاء قائما وإن شاء قاعدا وإن شاء مضطجعا، وعن مجاهد ثمار الجنتين دانية إلى أفواه أربابها فيتناولونها متكئين فإذا اضطجعوا نزلت بإزاء أفواههم فيتناولونها مضطجعين لا يرد أيديهم عنها بعد ولا شوك، وقرأ عيسى «وجني» بفتح الجيم وكسر النون كأنه أمال النون وإن كانت الألف قد حذفت في اللفظ كما أمال أبو عمرو حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً [البقرة:
٥٥] وقرىء «وجني» بكسر الجيم وهو لغة فيه.
فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فِيهِنَّ أي الجنان المدلول عليها بقوله تعالى: وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ فإنه يلزم من أنه لكل خائف جنتان تعدد الجنان، وكذا على تقدير أن يكون المراد لكل خائفين من الثقلين جنتان لا سيما وقد تقدر اعتبار الجمعية في قوله تعالى: مُتَّكِئِينَ وقال الفراء: الضمير لجنتان، والعرب توقع ضمير الجمع على المثنى ولا حاجة إليه بعد ما سمعت، وقيل: الضمير للبيوت والقصور المفهومة من الجنتين أو للجنتين باعتبار ما فيهما مما ذكر، وقيل: يعود على الفرش، قال أبو حيان: وهذا قول حسن قريب المأخذ، وتعقب بأن المناسب للفرش- على- وأجيب بأنه شبه تمكنهن على الفرش بتمكن المظروف في الظرف وإيثار للإشعار بأن أكثر حالهن الاستقرار عليها، ويجوز أن يقال: الظرفية للإشارة إلى أن الفرش إذا جلس عليها ينزل مكان الجالس منها ويرتفع ما أحاط به حتى يكاد يغيب فيها كما يشاهد في فرش الملوك المترفهين التي حشوها ريش النعام ونحوه، وقيل:
الضمير للآلاء المعدودة من- الجنتين. والعينين. والفاكهة والفرش. والجني والمراد معهن قاصِراتُ الطَّرْفِ أي نساء يقصرن أبصارهم على أزواجهن لا ينظرن إلى غيرهم، أو يقصرن طرف الناظر إليهن عن التجاوز إلى غيرهن، قال ابن رشيق في قول امرئ القيس:
من القاصرات الطرف لو دب محول ... من الذر فوق الأنف منها لأثرا
أراد بالقاصرات الطرف أنها منكسرة الجفن خافضة النظر غير متطلعة لما بعد ولا ناظرة لغير زوجها، ويجوز أن يكون معناه أن طرف الناظر لا يتجاوزها كقول المتنبي: