انتهى فلا تغفل، والأكثرون على أول المعنيين اللذين ذكرناهما بل في بعض الأخبار ما يدل على أنه تفسير نبوي.
أخرج ابن مردويه عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال في ذلك «لا ينظرن إلا إلى أزواجهن»
ومتى صح هذا ينبغي قصر الطرف عليه، وفي بعض الآثار تقول الواحدة منهن لزوجها:
وعزة ربي ما أرى في الجنة أحسن منك فالحمد لله الذي جعلني زوجك وجعلك زوجي، والطَّرْفِ في الأصل مصدر فلذلك وحد لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ قال ابن عباس: لم يفتضهن قبل أزواجهن إنس ولا جان، وفيه إشارة إلى أن ضمير قبلهن للأزواج، ويدل عليه قاصِراتُ الطَّرْفِ وفي البحر هو عائد على من عاد عليه الضمير في مُتَّكِئِينَ، وأصل الطمث خروج الدم ولذلك يقال للحيض طمث، ثم أطلق على جماع الأبكار لما فيه من خروج الدم، وقيل: ثم عمم لكل جماع، وهو المروي هنا عن عكرمة، وإلى الأول ذهب الكثير، وقيل: إن التعبير به للإشارة إلى أنهن يوجدن أبكارا كلما جومعن، ونفي طمثهن عن الإنس ظاهر، وأما عن الجن فقال مجاهد والحسن: قد تجامع الجن نساء البشر مع أزواجهم إذا لم يذكر الزوج اسم الله تعال فنفى هنا جميع المجامعين وقيل:
لا حاجة إلى ذلك إذ يكفي في نفي الطمث عن الجن إمكانه منهم، ولا شك في إمكان جماع الجني إنسية بدون أن يكون مع زوجها الغير الذاكر اسم الله تعالى، ويدل على ذلك ما رواه أبو عثمان سعيد بن داود الزبيدي قال: كتب قوم من أهل اليمن إلى مالك يسألونه عن نكاح الجن وقالوا: إن هاهنا رجلا من الجن يزعم أنه يريد الحلال فقال ما أرى بذلك بأسا في الدين ولكن أكره إذا وجدت امرأة حامل قيل: من زوجك؟ قالت: من الجن فيكثر الفساد في الإسلام، ثم إن دعوى أن الجن تجامع نساء البشر جماعا حقيقيا مع أزواجهم إذا لم يذكروا اسم الله تعالى غير مسلمة عند جميع العلماء، وقوله تعالى: وَشارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ [الإسراء: ٦٤] غير نص في المراد كما لا يخفى، وقال ضمرة بن حبيب: الجن في الجنة لهم قاصرات الطرف من الجن نوعهم، فالمعنى لم يطمث الإنسيات أحد من الإنس، ولا الجنيات أحد من الجن قبل أزواجهن، وقد أخرج نحو هذا عنه ابن أبي حاتم، وظاهره أن ما للجن لسن من الحور.
ونقل الطبرسي عنه أنهن من الحور وكذا الإنسيات، ولا مانع من أن يخلق الله تعالى في الجنة حورا للإنس يشاكلنهم يقال لهن لذلك إنسيات، وحورا للجن يشاكلنهم يقال لهن لذلك جنيات، ويجوز أن تكون الحور كلهن نوعا واحدا ويعطى الجني منهن لكنه في تلك النشأة غيره في هذه النشأة، ويقال: ما يعطاه الإنسي منهن لم يطمثها إنسي قبله، وما يعطاه الجني لم يطمثها جني قبله وبهذا فسر البلخي الآية، وقال الشعبي والكلبي: تلك القاصرات الطرف من نساء الدنيا لم يمسسهن منذ أنشئن النشأة الآخرة خلق قبل والذي يعطاه الإنسي زوجته المؤمنة التي كانت له في الدنيا ويعطى غيرها من نسائها المؤمنات أيضا، ويبعد أن يعطى الجني من نساء الدنيا الإنسانيات في الآخرة.
والذي يغلب على الظن أن الإنسي يعطي من الإنسيات والحور والجني يعطى من الجنيات والحور ولا يعطى إنسي جنية، ولا جني إنسية وما يعطاه المؤمن إنسيا كان أو جنيا من الحور شيء يليق به وتشتهيه نفسه، وحقيقة تلك النشأة وراء ما يخطر بالبال، واستدل بالآية على أن الجن يدخلون الجن ويجامعون فيها كالإنس فهم باقون فيها منعمين كبقاء المعذبين منهم في النار، وهو مقتضى ظاهر ما ذهب إليه أبو يوسف ومحمد وابن أبي ليلى والأوزاعي. وعليه الأكثر- كما ذكره العيني في شرح البخاري- من أنهم يثابون على الطاعة ويعاقبون