للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة أو هي والخطبة فظاهر، وكذلك إن أريد به الخطبة لأن افتراض السعي إلى الشرط- وهو المقصود لغيره- فرع افتراض ذلك الغير، ألا ترى أن من لم تجب عليه الصلاة لا يجب عليه السعي إلى الجمعة بالإجماع؟ وكذا ثبتت فرضيتها بالسنة والإجماع، وقد صرح بعض الحنفية بأنها آكد فرضية من الظهر وبإكفار جاحدها وهي فرض عين، وقيل: كفاية وهو شاذ، وفي حديث رواه أبو داود وقال النووي: على شرط الشيخين «الجمعة حق واجب على كل مسلم في جماعة إلا أربعة: مملوك أو امرأة أو صبي أو مريض» .

وأجمعوا على اشتراط العدد فيها لهذا الخبر وغيره، وقول القاشاني: تصح بواحد لا يعتد به كما في شرح المهذب لكنهم اختلفوا في مقداره على أقوال: أحدها أنه اثنان أحدهما الإمام- وهو قول النخعي والحسن بن صالح وداود- الثاني: ثلاثة أحدهم الإمام- وحكي عن الأوزاعي وأبي ثور وعن أبي يوسف ومحمد وحكاه الرافعي وغيره عن قول الشافعي القديم- الثالث: أربعه أحدهم الإمام- وبه قال أبو حنيفة والثوري والليث وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وأبي ثور واختاره، وحكاه في شرح المهذب عن محمد، وحكاه صاحب التلخيص قولا للشافعي في القديم- الرابع:

سبعة- حكي عن عكرمة- الخامس: تسعة- حكي عن ربيعة- السادس: اثني عشر- وفي رواية عن ربيعة. وحكاه الماوردي عن محمد والزهري والأوزاعي- السابع: ثلاثة عشر أحدهم الإمام- حكي عن إسحاق بن راهويه- الثامن:

عشرون- رواه ابن حبيب عن مالك- التاسع: ثلاثون- في رواية عن مالك- العاشر: أربعون أحدهم الإمام- وبه قال عبيد الله بن عبد الله بن عتبة والإمام الشافعي في الجديد، وهو المشهور عن الإمام أحمد، وأحد القولين المرويين عن عمر بن عبد العزيز- الحادي عشر: خمسون- في الرواية الأخرى عنه- الثاني عشر: ثمانون- حكاه المازري- الثالث عشر: جمع كثير بغير قيد- وهو مذهب مالك- فقد اشتهر أنه قال: لا يشترط عدد معين بل يشترط جماعة تسكن بهم قرية ويقع بينهم البيع، ولا تنعقد بالثلاثة والأربعة ونحوهم.

قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري: ولعل هذا المذهب أرجح المذاهب من حيث الدليل، وأنا أقول أرجحها مذهب الإمام أبي حنيفة، وقد رجحه المزني- وهو من كبار الآخذين عن الشافعي- وهو اختيار الجلال السيوطي، ووجه اختياره مع ذكر أدلة أكثر الأقوال بما لها وعليها مذكور في رسالة له سماها ضوء الشمعة في عدد الجمعة، ولولا مزيد التطويل لذكرنا خلاصتها. ومن أراد ذلك فليرجع إليها ليظهر له بنورها حقيقة الحال.

وقرأ كثير من الصحابة والتابعين- فامضوا- وحملت على التفسير بناء على أنه لا يراد بالسعي الإسراع في المشي ولم تجعل قرآنا لمخالفتها سواد المصحف المجمع عليه وَذَرُوا الْبَيْعَ أي واتركوا المعاملة على أن البيع مجاز عن ذلك فيعم البيع والشراء والإجارة وغيرها من المعاملات، أو هو دال على ما عداه بدلالة النص ولعله الأولى، والأمر للوجوب فيحرم كل ذلك بل روي عن عطاء حرمة اللهو المباح وأن يأتي الرجل أهله وأن يكتب كتابا أيضا.

وعبر بعضهم بالكراهة وحملت على كراهة التحريم، وقول الأكمل في شرح المنار: إن الكراهة تنزيهية مردود وكأنه مأخوذ من زعم القاضي الإسبيجاني أن الأمر في الآية للندب وهو زعم باطل عند أكثر الأئمة، وعامة العلماء على صحة البيع، وإن حرم نظير ما قالوا في الصلاة بالثوب المغصوب أو في الأرض المغصوبة.

وقال ابن العربي: هو فاسد، وعبر مجاهد بقوله: مردود ويستمر زمن الحرمة إلى فراغ الإمام من الصلاة، وأوله إما وقت أذان الخطبة- وروي عن الزهري، وقال به جمع- وإما أول وقت الزوال- وروى ذلك عن عطاء والضحاك والحسن- والظاهر أن المأمورين بترك البيع هم المأمورون بالسعي إلى الصلاة.

وأخرج عبد بن حميد عن عبد الرحمن بن القاسم أن القاسم دخل على أهله يوم الجمعة وعندهم عطار يبايعونه

<<  <  ج: ص:  >  >>