فاشتروا منه وخرج القاسم إلى الجمعة فوجد الإمام وقد خرج فلما رجع أمرهم أن يناقضوه البيع، وظاهره حرمة البيع إذا نودي للصلاة على غير من تجب عليه أيضا، والظاهر حرمة البيع والشراء حالة السعي.
وصرح في السراج الوهاج بعدمها إذا لم يشغله ذلك ذلِكُمْ أي المذكور من السعي إلى ذكر الله تعالى وترك البيع خَيْرٌ لَكُمْ أنفع من مباشرة البيع فإن نفع الآخرة أجلّ وأبقى، وقيل: أنفع من ذلك ومن ترك السعي، وثبوت أصل النفع للمفضل عليه باعتبار أنه نفع دنيوي لا يدل على كون الأمر للندب والاستحباب دون الحتم والإيجاب كما لا يخفى إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الخير والشر الحقيقيين، أو إن كنتم من أهل العلم على تنزيل الفعل منزلة اللازم فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ أي أديت وفرغ منها فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ لإقامة مصالحهم وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أي الربح على ما قيل، وقال مكحول والحسن وابن المسيب: المأمور بابتغائه هو العلم.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه قال: لم يؤمروا بشيء من طلب الدنيا إنما هو عيادة مريض وحضور جنازة وزيارة أخ في الله تعالى، وأخرج نحوه ابن جرير عن أنس مرفوعا، والأمر للإباحة على الأصح فيباح بعد قضاء الصلاة الجلوس في المسجد ولا يجب الخروج، وروي ذلك عن الضحاك ومجاهد.
وحكى الكرماني في شرح البخاري الاتفاق على ذلك وفيه نظر، فقد حكى السرخسي القول بأنه للوجوب، وقيل: هو للندب،
وأخرج أبو عبيد وابن المنذر والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن بسر الحراني قال: رأيت عبد الله ابن بسر المازني صاحب النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم إذا صلّى الجمعة خرج فدار في السوق ساعة ثم رجع إلى المسجد فصلى ما شاء الله تعالى أن يصلي، فقيل له: لأي شيء تصنع هذا؟ قال: إني رأيت سيد المرسلين صلّى الله تعالى عليه وسلم هكذا يصنع وتلا هذه الآية فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ
إلخ.
وأخرج ابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: إذا انصرفت يوم الجمعة فاخرج إلى باب المسجد فساوم بالشيء وإن لم تشتره، ونقل عنه القول بالندبية وهو الأقرب والأوفق بقوله تعالى: وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً أي ذكرا كثيرا ولا تخصوا ذكره عز وجل بالصلاة لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ كي تفوزوا بخير الدارين، ومما ذكرنا يعلم ضعف الاستدلال بما هنا على أن الأمر الوارد بعد الحظر للإباحة، واستدل بالآية على تقديم الخطبة على الصلاة وكذا على عدم ندب صلاة سنتها البعدية في المسجد، ولا دلالة فيها على نفي سنة بعدية لها، وظاهر كلام بعض الأجلة أن من الناس من نفى أن للجمعة سنة مطلقا فيحتمل على بعد أن يكون استشعر نفي السنة البعدية من الأمر بالانتشار وابتغاء الفضل، وأما نفي القبلية فقد استند فيه إلى ما روي في الصحيح وقد تقدم من أن النداء كان على عهده عليه الصلاة والسلام إذا جلس على المنبر إذ من المعلوم أنه عليه الصلاة والسلام إذا كمل الأذان أخذ في الخطبة وإذا أتمها أخذ في الصلاة، فمتى كانوا يصلون السنة؟ وأجيب عن هذا بأن خروجه عليه الصلاة والسلام كان بعد الزوال بالضرورة فيجوز كونه بعد ما كان يصلي الأربع، ويجب الحكم بوقوع الحكم بهذا المجوز لعموم ما صح من أنه صلّى الله تعالى عليه وسلم كان يصلي إذا زالت الشمس أربعا، وكذا يجب في حقهم لأنهم أيضا يعلمون الزوال كالمؤذن بل ربما يعلمونه بدخول الوقت ليؤذن، واستدل بقوله تعالى: إِذا نُودِيَ إلخ من قال: إنما يجب إتيان الجمعة من مكان يسمع فيه النداء، والمسألة خلافية فقال ابن عمر وأبو هريرة ويونس والزهري: يجب إتيانها من ستة أميال، وقيل: من خمسة، وقال ربيعة: من أربعة، وروي ذلك عن الزهري وابن المنكدر.
وقال مالك والليث: من ثلاثة، وفي بحر أبي حيان وقال أبو حنيفة وأصحابه: يجب الإتيان على من في المصر سمع النداء أو لم يسمع لا على من هو خارج المصر وإن سمع النداء وعن ابن عمر وابن المسيب والزهري وأحمد