وإسحاق على من سمع النداء، وعن ربيعة على من إذا سمع وخرج من بيته ماشيا أدرك الصلاة، وكذا استدل بذلك من قال بوجوب الإتيان إليها سواء كان إذن عام أم لا، وسواء أقامها سلطان أو نائبه أو غيرهما أم لا لأنه تعالى إنما رتب وجوب السعي على النداء مطلقا كذا قيل، وتحقيق الكلام على ذلك كله في كتب الفروع المطولة.
وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها
أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وجماعة عن جابر ابن عبد الله قال: «بينما النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم يخطب يوم الجمعة قائما إذ قدمت عير المدينة فابتدرها أصحاب رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم حتى لم يبق منهم إلا اثنا عشر رجلا أنا فيهم وأبو بكر وعمر فأنزل الله تعالى وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً إلى آخر السورة
،
وفي رواية ابن مردويه عن ابن عباس أنه بقي في المسجد اثنا عشر رجلا وسبع نسوة فقال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم: «لو خرجوا كلهم لاضطرم المسجد عليهم نارا»
وفي رواية عن قتادة «والذي نفس محمد بيده لو اتبع آخركم أولكم لالتهب الوادي عليكم نارا»
، وقيل: لم يبق إلا أحد عشر رجلا، وهم على ما قال أبو بكر: غالب بن عطية العشرة المبشرة وعمار في رواية وابن مسعود في أخرى، وعلى الرواية السابقة عدوا العشرة أيضا منهم. وعدوا بلالا وجابرا لكلامه السابق، ومنهم من لم يذكر جابرا وذكر بلالا وابن مسعود ومنه من ذكر عمارا بدل ابن مسعود، وقيل: لم يبق إلا ثمانية، وقيل: بقي أربعون، وكانت العير لعبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه تحمل طعاما، وكان قد أصاب أهل المدينة جوع وغلاء سعر.
وأخرج أبو داود في مراسيله عن مقاتل بن حيان قال: كان رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم يصلي الجمعة قبل الخطبة مثل العيدين حتى كان يوم الجمعة والنبي صلّى الله تعالى عليه وسلم يخطب وقد صلّى الجمعة فدخل رجل فقال: إن دحية بن خليفة قدم بتجارة وكان إذا قدم تلقاه أهله بالدفاف فخرج الناس ولم يظنوا إلا أنه ليس في ترك حضور الخطبة شيء فأنزل الله تعالى وَإِذا رَأَوْا
إلخ فقدم النبي صلّى الله تعالى عليه وسلم الخطبة يوم الجمعة وأخر الصلاة، ولا أظن صحة هذا الخبر، والظاهر أنه صلّى الله تعالى عليه وسلم لم يزل مقدما خطبتها عليها، وقد ذكروا أنها شرط صحتها وشرط الشيء سابق عليه، ولم أر أحدا من الفقهاء ذكر أن الأمر كان كما تضمنه ولم أظفر بشيء من الأحاديث مستوف لشروط القبول متضمن ذلك، نعم ذكر العلامة ابن حجر الهيتمي أن بعضهم شذ عن الإجماع على كون الخطبة قبلها والله تعالى أعلم، والآية لما كانت في أولئك المنفضين وقد نزلت بعد وقوع ذلك منهم قالوا: إن إِذا فيها قد خرجت عن الاستقبال واستعملت للماضي كما في قوله:
وندمان تزيد الكأس طيبا ... سقيت إذا تغورت النجوم
ووحد الضمير لأن العطف بأو واختير ضمير التجارة دون اللهو لأنها الأهم المقصود، فإن المراد باللهو ما استقبلوا به العير من الدف ونحوه، أو لأن الانفضاض للتجارة مع الحاجة إليها والانتفاع بها إذا كان مذموما فما ظنك بالانفضاض إلى اللهو وهو مذموم في نفسه؟ وقيل: الضمير للرؤية المفهومة من رَأَوْا وهو خلاف الظاهر المتبادر، وقيل: في الكلام تقدير، والأصل إذا رأوا تجارة انفضوا إليها، أو لهوا انفضوا إليه فحذف الثاني لدلالة الأول عليه، وتعقب بأنه بعد العطف بأو لا يحتاج إلى الضمير لكل منهما بل يكفي الرجوع لأحدهما فالتقدير من غير حاجة، وقال الطيبي: يمكن أن يقال: إن أَوْ في أَوْ لَهْواً مثلها في قوله:
بدت مثل قرن الشمس في رونق الضحى ... وصورتها أو أنت في العين أملح
فقال الجوهري: يريد بل أنت فالضمير في إِلَيْها راجع إلى اللهو باعتبار المعنى، والسر فيه أن التجارة إذا شغلت المكلف عن ذكر الله تعالى عدت لهوا، وتعدّ فضلا إن لم تشغله كما في قوله تعالى: فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ