على ناسخ بعد نقله جوابين سواه وتزييفه لهما، وسيأتي قريبا إن شاء الله تعالى بعض أخبار مرفوعة يستدل بها على وقوع الثلاث، لكن قيل: إن الثلاث فيها يحتمل أن تكون بألفاظ ثلاثة كأنت طالق أنت طالق أنت طالق، ولعله هو الظاهر لا بلفظ واحد كأنت طالق ثلاثا، وحينئذ لا يصلح ذلك للرد على من لم يوقع الثلاث بهذا اللفظ لكن إذا صح الإجماع ولو سكوتيا على الوقوع لا ينبغي إلا الموافقة والسكوت، وتأويل ما روي عن عمر، ولذا قال بعض الأئمة: لو حكم قاض بأن الثلاث بفم واحد واحدة لم ينفذ حكمه لأنه لا يسوغ الاجتهاد فيه لإجماع الأئمة المعتبرين عليه، وإن اختلفوا في معصية من يوقعه كذلك، ومن قال: بمعصيته استدل بما
روى النسائي عن محمود بن لبيد قال:«أخبرنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاثا جميعا فقام غضبان فقال: أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم؟! حتى قام رجل فقال: يا رسول الله ألا أقتله»
وبما
أخرجه عبد الرزاق عن عبادة بن الصامت أن أباه طلق امرأة له ألف تطليقة فانطلق عبادة فسأله صلّى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام:«بانت بثلاث في معصية الله وبقي تسعمائة وسبعة وتسعون عدوان وظلم إن شاء الله تعالى عذبه وإن شاء غفر له»
ويفهم من هذا حرمة إيقاع الزائد أيضا وهو ظاهر كلام ابن الرفعة، ومقتضى قول الروياني- واعتمده الزركشي. وغيره- أنه يعزر فاعله، ووجه بأنه تعاطى نحو عقد فاسد وهو حرام، ونوزع في ذلك بما فيه نظر، وبما في سنن أبي داود عن مجاهد قال: كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال: إنه طلق زوجته ثلاثا فقال له: عصيت ربك وبانت منك امرأتك إلى غير ذلك.
ومن قال بعدمها استدل بما رواه الشيخان من أن عويمرا العجلاني لما لاعن امرأته طلقها ثلاثا قبل أن يخبره صلى الله تعالى عليه وسلم بحرمتها عليه، وقال: إنه لو كان معصية لنهاه عنه لأنه أوقعه معتقدا بقاء الزوجية، ومع اعتقادها يحرم الجمع عند المخالف، ومع الحرمة يجب الإنكار على العالم وتعليم الجاهل ولم يوجدا، فدل على أن لا حرمة وبأنه قد فعله جماعة من الصحابة منهم عبد الرحمن بن عوف طلق زوجته تماضر ثلاثا في موضعه والحسن ابن علي رضي الله تعالى عنهما طلق زوجته شهبانوا ثلاثا لما هنته بالخلافة بعد وفاة علي كرم الله تعالى وجهه، وقال بعض الحنفية في ذلك: إنه محمول على أنهم قالوا: ثلاثا للسنة، وهو أبعد من قول بعض الشافعية فيما روي من الأدلة الدالة على العصيان فيه أنه محمول على أنه كان في الحيض فالمعصية فيه من تلك الحيثية.
واستدل على كونه معصية إذا كان في الحيض بما هو أظهر من ذلك كالروايتين السابقتين فيما نقل عن الكشاف، وفي الاستدلال بهما على حرمة إرسال الثلاث بحث، وربما يستدل بالثانية على وجوب الرجعة لكن قد ذكر بعض أجلة الشافعية أنها لا تجب بل تندب في الطلاق البدعي، وإنما لم تجب لأن الأمر بالأمر بالشيء ليس أمرا بذلك الشيء، وليس في- فليراجعها- أمر لابن عمر لأنه تفريع على أمر عمر، فالمعنى فليراجعها لأجل أمرك لكونك والده، واستفادة الندب منه حينئذ إنما هي من القرينة، وإذا راجع ارتفع الإثم المتعلق بحق الزوجة لا في الرجعة قاطعة للضرر من أصله فكانت بمنزلة التوبة ترفع أصل المعصية، وبه فارق دفن البصاق في المسجد فإنه قاطع لدوام ضرره لا لأصله لأن تلويث المسجد به قد حصل، ويندفع بما ذكر ما قيل: رفع الرجعة للتحريم كالتوبة يدل على وجوبها إذ كون الشيء بمنزلة الواجب في خصوصية من خصوصياته لا يقتضي وجوبه، ولا يستدل بما اقتضته الآية من النهي عن إيقاع الطلاق في الحيض على فساد الطلاق فيه إذ النهي عند أبي حنيفة لا يستلزم الفساد مطلقا، وعند الشافعي يدل على الفساد في العبادات وفي المعاملات إذا رجع إلى نفس العقد أو إلى أمر داخل فيه أو لازم له فإن رجع إلى أمر مقارن كالبيع وقت النداء فلا، وما نحن فيه لأمر مقارن وهو زمان الحيض فهو عنده لا يستلزم الفساد هنا أيضا، وأيد ذلك بأمر ابن عمر بالرجعة إذ لو لم يقع الطلاق لم يؤمر بها قيل: وما كان منه من التطليق في الحيض سبب نزول هذه