الآية والذي رواه ابن مردويه من طريق أبي الزبير عنه وحكي عن السدي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: بلغنا أن قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ الآية نزل في عبد الله بن عمرو بن العاص وطفيل بن الحارث وعمرو بن سعيد بن العاص، وقال بعضهم: فعله ناس منهم ابن عمرو بن العاص.
وعتبة بن غزوان فنزلت الآية، وأخرج ابن المنذر عن ابن سيرين أنها نزلت في حفصة بنت عمر طلقها رسول الله صلّى الله عليه وسلم واحدة فنزلت إلى قوله تعالى: يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً فراجعها عليه الصلاة والسلام، ورواه قتادة عن أنس، وقال القرطبي نقلا عن علماء الحديث: إن الأصح أنها نزلت ابتداء لبيان حكم شرعي، وكل ما ذكر من أسباب النزول لها لم يصح، وحكى أبو حيان نحوه عن الحافظ أبي بكر بن العربي، وظاهرها أن نفس الطلاق مباح، واستدل له أيضا بما
رواه ابو داود وابن ماجة عنه صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: «إن من أبغض المباحات عند الله عز وجل الطلاق»
وفي لفظ «أبغض الحلال إلى الله الطلاق»
لوصفه بالإباحة والحل لأن أفعل بعض ما يضاف إليه، والمراد من كونه مبغوضا التنفير عنه أو كونه كذلك من حيث إنه يؤدي إلى قطع الوصلة وحل قيد العصمة لا من حيث حقيقته في نفسه.
وقال البيهقي: البغض على إيقاعه كل وقت من غير رعاية لوقته المسنون، وبطلاقه صلّى الله عليه وسلم حفصة ثم أمره تعالى إياه أن يراجعها فإنها صوامة قوامة، وقال غير واحد: هو محظور لما فيه من كفران نعمة النكاح،
ولقوله عليه الصلاة والسلام: «لعن الله كل مذواق مطلاق»
وإنما أبيح للحاجة، قال ابن الهمام: وهذا هو الأصح فيكره إذا لم يكن حاجة، ويحمل لفظ المباح على ما أبيح في بعض الأوقات أعني أوقات تحقق الحاجة المبيحة وهو ظاهر في رواية لأبي داود- ما أحل الله تعالى شيئا أبغض إليه من الطلاق- فإن الفعل لا عموم له في الأزمان، ومن الحاجة الكبر وعدم اشتهائه جماعها بحيث يعجز أو يتضرر بإكراهه نفسه عليه وهي لا ترضى بترك ذلك، وما روي عن الحسن- وكان قيل له في كثرة تزوجه وطلاقه من قوله: أحب الغنى- قال الله سبحانه: وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ [النساء: ١٣٠] فهو رأي منه إن كان على ظاهره، وكل ما نقل من طلاق الصحابة- كطلاق المغيرة بن شعبة الزوجات الأربع دفعة- فقد قال لهن: أنتن حسنات الأخلاق ناعمات الأطواق طويلات الأعناق اذهبن فأنتن طلاق فمحمله وجود الحاجة، وإن لم يصرح بها، وقال ابن حجر: هو إما واجب كطلاق مول لم يرد الوطء وحكمين رأياه، أو مندوب كأن يعجز عن القيام بحقوقها ولو لعدم الميل إليها، أو تكون غير عفيفة ما لم يخش الفجور بها، ومن ثم أمر صلى الله تعالى عليه وسلم من قال: «إن زوجتي لا ترد يد لامس» أي لا تمنع من يريد الفجور بها على أحد أقوال من معناه بإمساكها خشية من ذلك، ويلحق بخشية الفجور بها حصول مشقة له بفراقها تؤدي إلى مبيح تيمم، وكون مقامها عنده أمنع لفجورها فيما يظهر فيهما، أو سيئة الخلق أي بحيث لا يصبر على عشرتها عادة فيما يظهر، وإلا فغير سيئة الخلق كالغراب الأعصم أو يأمره به أحد والديه أي من غير تعنت كما هو شأن الحمقى من الآباء والأمهات، ومع عدم خوف فتنة أو مشقة بطلاقها فيما يظهر، أو حرام كالبدعي، أو مكروه بأن سلم الحال عن ذلك كله
للخبر الصحيح «ليس شيء من الحلال أبغض إلى الله من الطلاق»
ولدلالته على زيادة التنفير عنه قالوا: ليس فيه مباح لكن صوره الإمام بما إذا لم يشتهها أي شهوة كاملة ولا تسمح نفسه بمؤنتها من غير تمتع اه.
والآية على ما لا يخفى على المنصف لا تدل على أكثر من حرمته في الحيض، والمراد بالنساء فيها المدخول بهن من المعتدات بالحيض على ما في الكشاف، وغيره لمكان قوله سبحانه: فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ.
وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ واضبطوها وأكملوها ثلاثة قروء كوامل، وأصل معنى الإحصاء العد بالحصى كما كان معتادا قديما ثم صار حقيقة فيما ذكر وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ في تطويل العدة عليهن والإضرار بهن، وفي وصفه تعالى