بربوبيته عز وجل لهم تأكيد للأمر ومبالغة في إيجاب الاتقاء لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ من مساكنهن عند الطلاق إلى أن تنقضي عدتهن، وإضافتها إليهن وهي لأزواجهن لتأكيد النهي ببيان كمال استحقاقهن لسكنا كأنها أملاكهن، وعدم العطف للإيذان باستقلاله بالطلب اعتناء به، والنهي عن الإخراج يتناول عدم إخراجهن غضبا عليهن أو كراهة لمساكنتهن أو لحاجة لهم إلى المساكن أو محض سفه بمنطوقه، ويتناول عدم الإذن لهن في الخروج بإشارته لأن خروجهن محرم بقوله تعالى: وَلا يَخْرُجْنَ أما إذا كانت لا ناهية كالتي قبلها فظاهر، وأما إذا كانت نافية فلأن المراد به النهي، وهو أبلغ من النهي الصريح كما لا يخفى، والإذن في فعل المحرم محرم فكأنه قيل: لا تخرجوهن ولا تأذنوا لهن في الخروج إذا طلبن ذلك ولا يخرجن بأنفسهن إن أردن فهناك دلالة على أن سكونهن في البيوت حق للشرع مؤكد فلا يسقط بالإذن، وهذا على ما ذكره الجلبي مذهب الحنفية، ومذهب الشافعية أنهما لو اتفقا على الانتقال جاز إذ الحق لا يعدوهما، فالمعنى لا تخرجوهن ولا يخرجن باستبدادهن وتعقب الشهاب كون ذلك مذهب الحنفية بقوله: فيه نظر، وقد ذكر الرازي في الاحكام ما يدل على خلافه وأن السكنى كالنفقة تسقط بالإسقاط انتهى.
والذي يظهر من كلامهم ما ذكره الجلبي، وقد نص عليه الحصكفي في الدر المختار، وعلله بأن ذلك حق الله تعالى فلا يسقط بالإذن، وفي الفتح لو اختلعت على أن لا سكنى لها تبطل مؤنة السكنى عن الزوج ويلزمها أن تكتري بيته، وأما أن يحل لها الخروج فلا إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ أي ظاهر هي نفس الخروج قبل انقضاء العدة كما أخرجه عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر والبيهقي في سننه وابن مردويه والحاكم وصححه عن ابن عمر، وروي عن السدي وابن السائب والنخعي- وبه أخذ أبو حنيفة- والاستثناء عليه راجع إلى لا يَخْرُجْنَ والمعنى لا يطلق لهن في الخروج إلا في الخروج الذي هو فاحشة، ومن المعلوم أنه لا يطلق لهن فيه فيكون ذلك منعا عن الخروج على أبلغ وجه، وقال الإمام ابن الهمام: هذا كما يقال في الخطابية: لا تزن إلا أن تكون فاسقا ولا تشتم أمك إلا أن تكون قاطع رحم، ونحو ذلك وهو بديع وبليغ جدا، والزنا على ما روي عن قتادة والحسن والشعبي وزيد بن أسلم والضحاك وعكرمة وحماد والليث، وهو قول ابن مسعود وقول ابن عباس وبه أخذ أبو يوسف، والاستثناء عليه راجع إلى لا تخرجوهن على ما يقتضيه ظاهر كلام جمع أي لا تخرجوهن إلا إن زنين فأخرجوهن لإقامة الحد عليهن، وقال بعض المحققين: هو راجع إلى الكل وما يوجب حدا من زنا أو سرقة أو غيرهما- كما أخرجه عبد بن حميد عن سعيد بن المسيب- واختاره الطبري، والبذاء على الأحماء أي أو على الزوج- كما أخرجه جماعة من طرق عن ابن عباس- والاستثناء راجع إلى الأول أي لا تخرجوهن إلا إذا طالت ألسنتهن وتكلمن بالكلام الفاحش القبيح على أزواجهن أو أحمائهن، وأيد بقراءة أبيّ «لا أن يفحشن عليكم» بفتح الياء وضم الحاء، وفي موضح الأهوازي «يفحشن» من أفحش، قال الجوهري: أفحش عليه في النطق أي أتى بالفحش، وفي حرف ابن مسعود- إلا أن يفحشن- بدون عليكم والنشوز، والمراد إلا أن يطلقن على النشوز على ما روي عن قتادة أيضا، والاستثناء عليه قيل: راجع إلى الأول أيضا، وفي الكشف هو راجع إلى الكل لأنه سقط حقها في السكنى حل الإخراج والخروج أيضا، وأيا ما كان فليس في الآية حصر المبيح لفعل المنهي عنه بالإتيان بالفاحشة، وقد بينت المبيحات في كتب الفروع فليراجعها من أراد ذلك.
وقرأ ابن كثير وأبو بكر «مبينة» بالفتح وَتِلْكَ إشارة إلى ما ذكر من الأحكام أي تلك الأحكام الجليلة الشأن حُدُودُ اللَّهِ التي عينها لعباده عز وجل وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ أي حدوده تعالى المذكورة بأن أخل بشيء منها على أن الإظهار في موضع الإضمار لتهويل أمر التعدي والإشعار بعلة الحكم في قوله تعالى: فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ أي أضربها كما قال شيخ الإسلام، ونقل عن بعض تفسير الظلم بتعريضها للعقاب، وتعقبه بأنه يأباه قوله سبحانه: لا