للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما نحن فيه تناولا أوليا، ولاقتضاء أخبار في سبب النزول وغيره له،

فقد أخرج أبو يعلى وأبو نعيم والديلمي من طريق عطاء بن يسار عن ابن عباس قال: قرأ رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قوله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ إلخ فقال:

مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ومن شدائد يوم القيامة

،

وأخرج أحمد والحاكم وصححه وابن مردويه وأبو نعيم- في المعرفة- والبيهقي عن أبي ذر قال: «جعل رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يتلو هذه الآية وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ فجعل يرددها حتى نعست ثم قال: يا أبا ذر لو أن الناس كلهم أخذوا بها لكفتهم» .

وأخرج ابن مردوية من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال: «جاء عوف بن مالك الأشجعي فقال: يا رسول الله إن ابني (١) أسره العدو وجزعت أمه فما تأمرني؟ قال: آمرك وإياها أن تستكثرا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فقالت المرأة: نعم ما أمرك فجعلا يكثران منها فتغفل العدوّ فاستاق غنمهم فجاء بها إلى أبيه فنزلت وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ» الآية

،

وفي رواية ابن أبي حاتم عن محمد بن إسحاق مولى آل قيس قال: «جاء عوف بن مالك الأشجعي إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فقال له: أسر ابن عوف فقال له عليه الصلاة والسلام: أرسل إليه أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم يأمرك أن تكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله وكانوا قد شدوه بالقدّ فسقط القدّ عنه فخرج فإذا هو بناقة لهم فركبها فاذا سرح للقوم الذين كانوا شدّدوه فصاح بها فاتبع آخرها أولها فلم يفجأ أبويه إلا وهو ينادي بالباب فأتى أبوه رسول الله صلّى الله عليه وسلم فأخبره فنزلت وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ

إلخ.

وفي بعض الروايات أنه أصابه جهد وبلاء فشكا إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم فقال: «اتق الله واصبر فرجع ابنه وقد أصاب أعنزا فذكر ذلك للنبي عليه الصلاة والسلام فنزلت فقال: هي لك»

إلى غير ذلك مما هو مضطرب على ما لا يخفى على المتتبع، وعلى القول بالاستطراد قيل: المعنى من يتق الحرام يجعل له مخرجا إلى الحلال، وقيل: مَخْرَجاً من الشدة إلى الرخاء، وقيل: من النار إلى الجنة. وقيل: مَخْرَجاً من العقوبة وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ من الثواب، وقال الكلبي: مَنْ يَتَّقِ اللَّهَ عند المصيبة يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً إلى الجنة، والكل كما ترى، والمعول عليه العموم الذي سمعته، وفي الكشف إن تنويع الوعد للمتقي وتكرير الحث عليه بعد الدلالة على أن التقوى ملاك الأمر عند الله تعالى ناط به سبحانه سعادة الدارين يدل على أن أمر الطلاق والعدة من الأمور التي تحتاج إلى فضل تقوى لأنه أبغض المباح إلى الله عز وجل لما يتضمن من الإيحاش وقطع الألفة الممهدة، ثم الاحتياط في أمر النسب الذي هو من جلة المقاصد يؤذن بالتشديد في أمر العدة فلا بد من التقوى ليقع الطلاق على وجه يحمد عليه، ويحتاط في العدة ما يجب فهنالك يحصل للزوجين المخرج في الدنيا والآخرة، وعليه فالزوجة داخلة في العموم كالزوج وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ أي كافيه عز وجل في جميع أموره.

وأخرج أحمد في الزهد عن وهب قال: «يقول الرب تبارك وتعالى: إذا توكل عليّ عبدي لو كادته السماوات والأرض جعلت له من بين ذلك المخرج» إِنَّ اللَّهَ بالِغُ أَمْرِهِ بإضافة الوصف إلى مفعوله والأصل بالغ أمره بالنصب- كما قرأ به الأكثرون- أي يبلغ ما يريده عز وجل ولا يفوته مراد.

وقرأ ابن أبي عبلة في رواية وداود بن أبي هند وعصمة عن أبي عمرو «بالغ» بالرفع منونا «أمره» بالرفع على أنه فاعل- بالغ- الخبر- لأن- أو مبتدأ، وبالِغُ خبر مقدم له، والجملة خبر إِنَّ أي نافذ أمره عز وجل، وقرأ


(١) اسمه سالم اه. منه.

<<  <  ج: ص:  >  >>