وعلى إيجاد عوارضها الذاتية وغيرها، ومن ثم عقب ذلك بالوصف المتضمن للعوارض وهذا ما اختاره العلامة الطيبي، وصاحب الكشاف اختار في القرينة الأولى ما ذكرناه فيها من التخصيص بالموجود فقال: أي تعالى وتعاظم عن صفات المخلوقين الذي بيده الملك على كل موجود لما سمعت، وفي الثانية التخصيص بالمعدوم فقال: وهو على كل ما لم يوجد مما يدخل تحت القدرة قدير ووجهه على ما في الكشف أن الشيء وإن كان عاما في كل ما يصح أن يعلم ويخبر عنه لكن لما قرن بالقدرة اختص بالمعدوم لاستغناء الموجود عن الفاعل عند جمهور المتكلمين القائلين بأن علة الاحتياج الحدوث وعليه الزمخشري وأصحابه، وأما عند القائلين بأن علة الاحتياج الإمكان كالمحققين فلأن الاختيار يستدعي سبق العدم. وجيء بالقرينة الثانية عليه تكميلا أيضا لأن الاختصاص بالموجود فيه إيهام نقص واختار صاحب التقريب أن قوله تعالى: الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ مطلق. وقوله سبحانه وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ عام لما وضع له الشيء فيكون قد قصد بيان القدرة أولا وعمومها ثانيا، ولم يرتض صنيع الزمخشري ونظر فيه بأن الشيء إما أن يختص بالموجود أو يشمل الموجود والمعدوم، وعلى المذهبين فلا وجه لتخصيصه بما لم يوجد مع انضمام كل إليه اللهم إلا أن يقال خصصه به ليغاير ما قبله إذ خصصه بالموجود، وفيه أيضا نظر إذ لو عمم الثاني لتحقق التغاير أيضا مع أن اليد مجاز عن القدرة فإن تخصصت به كما هو مذهبه تخصص الأول بالمعدوم وإن لم تتخصص لم يتخصص الثاني بالمعدوم. وادعى صاحب الكشف سقوطه بما نقلناه عنه واعترض عليه وأجيب بما لا يخلو عن نظر فليتأمل. ومن الناس من حمل الْمُلْكُ على الموجودات وجعل إليه مجازا عن القدرة فيكون المعنى في قدرته الموجودة وتعقبه بعضهم بأن فيه ركاكة وأشار إلى أن الخلاص منها إما بجعل اليد مجازا عن التصرف أو بتفسير الملك بالتصرف، وقيل المراد من كون الملك بيده تعالى أنه عز وجل مالكه فمعنى بِيَدِهِ الْمُلْكُ مالك الملك وفسر الراغب الْمُلْكُ في مثل ذلك بضبط الشيء المتصرف فيه بالحكم، وشاع تخصيصه بعالم الشهادة ويقابله حينئذ الملكوت وليس بمراد هنا كما لا يخفى.
وقوله تعالى الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ شروع في تفصيل بعض أحكام الملك وآثار القدرة وبيان ابتنائهما على قوانين الحكم والمصالح واستتباعهما لغايات جليلة والموصول بدل من الموصول الأول وصلته كصلته في الشهادة بتعاليه عز وجل. وجوز الطبرسي كونه خبر مبتدأ محذوف أي هو الذي إلخ. والموت على ما ذهب الكثير من أهل السنة صفة وجودية تضاد الحياة، واستدل على وجوديته بتعلق الخلق به وهو لا يتعلق بالعدمي لأزلية الإعدام. وأما ما روي عن ابن عباس من أنه تعالى خلق الموت في صورة كبش أملح لا يمر بشيء إلا مات، وخلق الحياة في صورة فرس بلقاء لا تمر بشيء ولا يجد رائحتها شيء إلا حيي فهو أشبه شيء بكلام الصوفية لا يعقل ظاهره. وقيل: هو وارد على منهاج التمثيل والتصوير وذهب القدرية وبعض أهل السنة إلى أنه أمر عدمي هو عدم الحياة عما هي من شأنه وهو المتبادر الأقرب وأجيب عن الاستدلال بالآية بأن الخلق فيها بمعنى التقدير وهو يتعلق بالعدمي كما يتعلق بالوجودي، أو أن الْمَوْتَ ليس عدما مطلقا صرفا بل هو عدم شيء مخصوص ومثله يتعلق به الخلق والإيجاد بناء على أنه إعطاء الوجود ولو للغير دون إعطاء الوجود للشيء في نفسه، أو أن الخلق بمعنى الإنشاء والإثبات دون الإيجاد وهو بهذا المعنى يجري في العدميات، أو أن الكلام على تقدير مضاف أي خلق أسباب الموت أو أن المراد بخلق الْمَوْتَ وَالْحَياةَ خلق زمان ومدة معينة لهما لا يعلمها إلا الله تعالى فإيجادهما عبارة عن إيجاد زمانهما مجازا ولا يخفى الحال في هذه الاحتمالات. ومن الغريب ما قيل إنه كنى بالموت عن الدنيا إذ هو واقع فيها، وبالحياة عن الآخرة