عزّ وجلّ فأمرنا أن نخلص لله تعالى الدعوة إذا دخلنا المساجد يعني بهذه الآية وعن ابن جريج بدل (فأمرنا) إلخ «فأمرهم أن يوحدوه» وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك أيضا وقرأ كما في البحر ابن هرمز وطلحة «وإن المساجد» بكسر همزة «إن» وحمل ذلك على الاستئناف وَأَنَّهُ بفتح الهمزة عند الجمهور على أنه عطف على أَنَّهُ اسْتَمَعَ كالذي قبله فهو من كلامه تعالى أي وأوحى إليّ أن الشان لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ أي النبي صلّى الله عليه وسلم وقوله تعالى يَدْعُوهُ حال من عَبْدُ أي لما قام عابدا له عزّ وجلّ وذلك قيامه عليه الصلاة والسلام لصلاة الفجر بنخلة كما مر كادُوا أي الجن كما قال ابن عباس والضحاك يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً متراكمين من ازدحامهم عليه تعجبا مما شاهدوا من عبادته وسمعوا من قراءته واقتداء أصحابه به قياما وركوعا وسجودا لأنهم رأوا ما لم يروا مثله وسمعوا ما لم يسمعوا نظيره وهذا كالظاهر في أنهم كانوا كثيرين لا تسعة ونحوها وإيراده عليه الصلاة والسلام بلفظ العبد دون لفظ النبي أو الرسول أو الضمير إما لأنه مقول على لسانه صلّى الله عليه وسلم لأنه أمر أن يقول أوحي كذا فجيء به على ما يقتضيه مقام العبودية والتواضع، أو لأنه تعالى عدل عن ذلك تنبيها على أن العبادة من العبد لا تستبعد، ونقل عليه الصلاة والسلام كلامه سبحانه كما هو رفعا لنفسه عن البين فلا وجود للأثر بعد العين وحيث كان هذا العدول منه جل وعلا إما لكذا أو لكذا لا أنه تصرف من رسول الله صلّى الله عليه وسلم لم يمتنع كما قال بعض الأجلة الجمع بين الحسنيين. وقال الحسن وقتادة ضمير كادُوا لكفار قريش والعرب فيراد بالقيام القيام بالرسالة وبالتلبد التلبد للعداوة والمعنى وأنه لما قام عبد الله بالرسالة يدعو لله تعالى وحده ويذر ما كانوا يدعون من دونه كادوا لتظاهرهم عليه وتعاونهم على عداوته يزدحمون عليه متراكمين وجوز أن يكون الضمير على هذا للجن والإنس. وعن قتادة أيضا ما يقتضيه قال: تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه فأبى الله تعالى إلا أن ينصره على من ناوأه وفي البحر أبعد من قال عبد الله هنا نوح عليه السلام كاد قومه يقتلونه حتى استنقذه الله تعالى منهم قاله الحسن وأبعد منه قول من قال إنه عبد الله بن سلام اهـ ولعمري إنه لا ينبغي القول بذلك ولا أظن له صحة بوجه من الوجوه. وقرأ نافع وأبو بكر كما قدمنا وابن هرمز وطلحة كما في الحبر «وإنه» بكسر الهمزة وحمل على أن الجملة استئنافية من كلامه عزّ وجلّ وجوز أن تكون من كلام الجن معطوفة على جملة إِنَّا سَمِعْنا حكوا فيها لقومهم لما رجعوا إليهم ما رأوا من صلاته صلّى الله عليه وسلم وازدحام أصحابه عليه في ائتمامهم به وحكي ذلك عن ابن جبير وجوز نحو هذا على قراءة الفتح بناء على ما سمعت عن أبي حاتم أو بتقدير ونخبركم بأنه أو نحوه هذا. وفي الكشف الوجه على تقدير أن يكون وَأَنَّ الْمَساجِدَ من جملة الموحي أن يكون فَلا تَدْعُوا خطابا للجن محكيا إن جعل قوله تعالى «وإنه لما قام» على قراءة الكسر من مقول الجن لئلا ينفك النظم لو جعل ابتداء قصة ووحيا آخر منقطعا عن حكاية الجن وكذلك لو جعل ضمير كادُوا للجن على قراءة الفتح أيضا والأصل أن المساجد لله فلا تدعوا أيها الجن مع الله أحدا فقيل قل يا محمد لمشركي مكة أُوحِيَ إِلَيَّ كذا وإذا كان كذلك فيجيء في ضمن الحكاية إثبات هذا الحكم بالنسبة إلى المخاطبين أيضا لاتحاد العلة، وأما لو جعل خطابا عاما فالوجه أن يكون ضمير كادُوا راجعا إلى المشركين أو إلى الجن والإنس وأن يكون على قراءة الكسر جملة استئنافية ابتداء قصة منه جل شأنه في الإخبار عن حال رسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو تمهيد لما يأتي من بعد وتوكيد لما ذكر من قبل فكأنه قيل: قل لمشركي مكة ما كان من حديث
الجن وإيمان بعضهم وكفر آخرين منهم ليكون حكاية ذلك لطفا لهم في الانتهاء عما كانوا فيه وحثا على الإيمان ثم قيل وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ ويوحده كاد الفريقان من كفرة الجن والإنس يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً دلالة على عدم ارتداعهم مع هذه الدلائل الباهرة والآيات النيرة،