قيل بطريق الجواب عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ على منهاج لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [غافر: ١٦] فعن متعلقة بما يدل عليه المذكور من مضمر حقه على ما قيل أن يقدر بعدها مسارعة إلى البيان ومراعاة لترتيب السؤال وإلى تعلقه بما ذكر ذهب الزجاج وهو الذي تقتضيه جزالة التنزيل. وقال مكي إن ذلك بدل من ما الاستفهامية بإعادة حرف الجر وتعقبه في الكشف بأنه لا يصح فإن معنى الأول عن النبأ العظيم أم عن غيره والبدل لا يطابقه أعيد الاستفهام أولا. وقال الخفاجي: البدلية جائزة ولا يلزم إعادة الاستفهام لأنه غير حقيقي ولا أن يكون البدل عين الأول لجواز كونه بدل بعض. وقيل هو متعلق ب يَتَساءَلُونَ المذكور وعَمَّ متعلق بمضمر مفسر به وأيد ذلك بقراءة الضحاك ويعقوب وابن كثير في رواية «عمه» بهاء السكت ووجهه أنه على الوقف وهو يدل على أنه غير متعلق بالمذكور لأنه لا حسن الوقف بين الجار والمجرور ومتعلقه لعدم تمام الكلام، ولعل من ذهب إلى الأول يقول إن إلحاق الهاء مبني على إجراء الوصل مجرى الوقف وقيل عن الأولى للتعليل وهي والثانية متعلقتان ب يَتَساءَلُونَ المذكور كأنه قيل لم يتساءلون عن النبأ العظيم. ونقله ابن عطية عن أكثر النحاة وقيل عَنِ النَّبَإِ متعلق بمحذوف وهناك استفهام مضمر كأنه قيل عَمَّ يَتَساءَلُونَ أيتساءلون عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ووصف النبأ وهو الخبر الذي له شأن بالعظيم لتأكيد خطره ووصفه بقوله سبحانه الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ للمبالغة في ذلك والإشعار بمدار التساؤل عنه وفِيهِ متعلق ب مُخْتَلِفُونَ قدم عليه اهتماما به ورعاية للفواصل وجعل الصلة جملة اسمية للدلالة على الثبات أي هم راسخون في الاختلاف فيه فمن جازم باستحالته يقول إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا [المؤمنون: ٣٧] إلخ وشاك يقول ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [الجاثية: ٣٢] وقيل منهم من ينكر المعادين معا كهؤلاء ومنهم من ينكر المعاد الجسماني فقط كجمهور النصارى. وقد حمل الاختلاف على الاختلاف في كيفية الإنكار فمنهم من ينكره لإنكاره الصانع المختار تعالى شأنه، ومنهم من ينكره بناء على استحالة إعادة المعدوم بعينه وقيل الاختلاف بالإقرار والإنكار أو بزيادة الخشية والاستهزاء على أن ضمير يَتَساءَلُونَ وضميرهم للناس عامة وقيل: يجوز أن يكون الاختلاف بالإقرار والإنكار على كون ضمير يَتَساءَلُونَ للكفار أيضا بأن يجعل ضميرهم للسائلين والمسئولين والكل كما ترى وإن تفاوتت مراتب الضعف والمعول عليه الأول. وقال مفتي الديار الرومية: الذي يقتضيه التحقيق ويستدعيه النظر الدقيق أن يحمل اختلافهم في البعث على مخالفتهم للنبيّ صلّى الله عليه وسلم بأن يعتبر في الاختلاف محض صدور الفعل عن المتعدد حسبما قيل في التساؤل فإن الافتعال والتفاعل صيغتان متآخيتان كالاستباق
والتسابق والانتضال والتناضل يجري في كل منهما ما يجري في الأخرى لا على مخالفة بعضهم لبعض على أن يكون كل من الجانبين مخالفا اسم فاعل ومخالفا اسم مفعول لأن الكل وإن استحق ما يذكر بعد من الردع والوعيد لكن استحقاق كل جانب لهما ليس لمخالفته للجانب الآخر إذ لا حقية في شيء منهما حتى يستحق من يخالفه المؤاخذة بل لمخالفته عليه الصلاة والسلام فكأنه قيل «الذي هم فيه مخالفون» للنبي صلّى الله عليه وسلم انتهى. وفيه أنه خلاف الظاهر وما ذكره من التعليل لا يخلو عن شيء، وقرأ عبد الله وابن جبير «تسّاءلون» بغير ياء وشد السين على أن أصله تتساءلون بتاء الخطاب فأدغمت التاء الثانية في السين.
كَلَّا ردع عن التساؤل على الوجهين المتقدمين فيه وقيل عنه وعن الاختلاف بمعنى مخالفة الرسول صلّى الله عليه وسلم في أمر البعث، وتعقب بأن الجملة التي تضمنته لم تقصد لذاتها فيبعد اعتبار الردع إلى ما فيها. وقوله