للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سبحانه سَيَعْلَمُونَ وعيد لأولئك المتسائلين المستهزئين بطريق الاستئناف وتعليل للردع والسين للتقرب والتأكيد ومفعول «يعلمون» محذوف وهو ما يلاقونه من فنون الدواهي والعقوبات والتعبير عن لقائه بالعلم لوقوعه في معرض التساؤل، والمعنى ليرتدعوا عما هم عليه فإنهم سيعلمون عما قليل حقيقة الحال إذا حل بهم العذاب والنكال ومثل هذا تقدير المفعول جزاء التساؤل. وقيل: هو ما ينبىء عنه الظاهر وهو وقوع ما يتساءلون عنه على معنى سيعلمون ذلك فيخجلون من تساؤلهم واستهزائهم بين يديّ ربهم عزّ وجلّ وإلّا لم يظهر كون ما ذكر وعيدا ومن جعل ضمير يَتَساءَلُونَ للناس عامة جعل ما هنا من باب التغليب لأنه لغير المؤمنين بالبعث الجازمين به، وجوز بعضهم كون كَلَّا سَيَعْلَمُونَ ردعا ووعدا على الارتداع والمراد ليرتدعوا فإنهم سيعلمون مثوبات الارتداع، وأنت تعلم أن ذلك شائع في الوعيد وهو المتبادر منه في أمثال هذه المقامات. وقوله تعالى ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ قيل تكرير لما قبله من الردع والوعيد للمبالغة. وثُمَّ للتفاوت في الرتبة فكأنه قيل لهم يوم القيامة ردع وعذاب شديدان بل لهم يومئذ أشد وأشد وبهذا الاعتبار صار كأنه مغاير لما قبله فعطف عليه وابن مالك يقول في مثله إنه من التوكيد اللفظي وإن توسط حرف العطف فلا تغفل. وقيل: الأول إشارة إلى ما يكون عند النزع وخروج الروح من زجر ملائكة الموت عليهم السلام وملاقاة كربات الموت وشدائده وانكشاف الغطاء، والثاني إشارة إلى ما يكون في القيامة من زجر ملائكة العذاب عليهم السلام وملاقاة شديد العقاب فثم في محلها لما بينهما من البعد الزماني ولا تكرار فيه. والظاهر أن العطف على هذا وما قبله على مجموع كَلَّا سَيَعْلَمُونَ وتوهم بعضهم من كلام بعض الأجلة أن العطف على سَيَعْلَمُونَ وأورد عليه أن ثُمَّ إذا كانت للتراخي الزماني يلزم الفصل بين المعطوف والمعطوف عليه بأجنبي بخلاف ما إذا كانت للتراخي الرتبي ووجه لدفع التخصيص بلا مخصص أنه على الثاني يفهم تفاوت الرتبة بين الردعين كتفاوتها بين الوعيدين لتبعية الردع للوعيد فلا تكون كَلَّا الثانية أجنبية بخلاف الأول فإن التراخي عليه إنما يتحقق فيما يتحقق فيه الزمان وليس هو إلّا سَيَعْلَمُونَ دون كَلَّا فتكون هي أجنبية ثم قال ذلك المتوهم ولا يبعد أن يقال الردع الأول عن التساؤل والثاني عن الإنكار أي الصريح، وتفاوت ما بينهما يقتضي العطف بثم والكل كما ترى. وقيل: متعلق العلم في الأول البعث وفي الثاني الجزاء على إنكاره، وثُمَّ في محلها أي كَلَّا سَيَعْلَمُونَ حقيقة البعث إذا بعثوا ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ الجزاء على إنكاره إذا دخلوا النار وعوقبوا. وجوز أن يكون المتعلق مختلفا وثُمَّ للتراخي الرتبي بأن يكون المعنى سيعلم الكفار أحوالهم ثم سيعلمون أحواله المؤمنين، والأول إشارة إلى العذاب الجسماني والثاني إلى العذاب الروحاني الذي هو أشد وأخزى، وأن يكون فاعل سيعلم في الموضعين مختلفا بناء على أن ضمير يَتَساءَلُونَ للناس عامة وثُمَّ لذلك أيضا بأن يكون المعنى سيعلم المؤمنون عاقبة تصديقهم، ثم سيعلم الكفار عاقبة تكذيبهم فيكون الأول وعدا للمؤمنين والآخر وعيدا للكافرين وهما متفاوتان رتبة، ولا يخفى عليك ما في ذلك.

وقرأ مالك بن دينار وابن مقسم والحسن وابن عامر «ستعلمون» في الموضعين بالتاء الفوقية على نهج الالتفات إلى الخطاب الموافق لما بعده من الخطابات تشديدا للردع والوعيد لا على تقدير قل لهم كلا ستعلمون إلخ فإنه ليس بذاك وإن كان فيه نوع سن على تقدير كون المراد يسألون النبي صلّى الله عليه وسلم. وعن الضحاك.

أنه قرأ الأول بتاء الخطاب والثاني بياء الغيبة. وقوله تعالى أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهاداً إلخ استئناف مسوق لتحقيق النبأ المتساءل عنه بتعداد بعض الشواهد الناطقة بحقيته إثر ما نبه عليها بما ذكر من الردع، وجوز أن

<<  <  ج: ص:  >  >>