إلخ نزلت فيهم وكلا الخبرين لا يعول عليهما ولا ينبغي أن يلتفت إليهما كما لا يخفى والذي أدين الله تعالى به نجاة أبويه صلّى الله عليه وسلم وقد ألفت رسائل في ذلك رغما لأنف علي القاري ومن وافقه وأعتقد أن جميع آبائه عليه الصلاة والسلام لا سيما من ولداه بلا واسطة أوفر الناس حظا مما أوتي هناك من السعادة والشرف وسمو القدر:
كم من أب قد سما بابن ذرى شرف ... كما سما برسول الله عدنان
وقرأ ابن محيصن وابن أبي عبلة وحميد وابن السميفع «يعنيه» بفتح الياء وبالعين المهملة أي يهمه من عناه الأمر إذا أهمه أي أوقعه في الهم ومنه
قوله صلّى الله عليه وسلم:«من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه»
لا من عناه إذا قصده كما زعمه أبو حيان. وقوله تعالى وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ بيان لمآل أمر المذكورين وانقسامهم إلى السعداء والأشقياء بعد ذكر وقوعهم في داهية دهياء ف وُجُوهٌ مبتدأ وسوغ الابتداء به كونه في حيز التنويع كما مر ومُسْفِرَةٌ خبره ويَوْمَئِذٍ متعلق به أي مضيئة متهللة من أسفر الصبح إذا أضاء وعن ابن عباس إن ذلك من قيام الليل. وعن الضحاك من آثار الوضوء فيختص ذلك بهذه الأمة أي لأن الوضوء من خواصهم قيل أي بالنسبة إلى الأمم السابقة فقط لا مع أنبيائهم عليهم السلام وقيل من طول ما اغبرّت في سبيل الله تعالى ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ أي مسرورة بما تشاهد من النعيم المقيم والبهجة الدائمة وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْها غَبَرَةٌ أي غبار وكدورة تَرْهَقُها أي تعلوها وتغشاها قَتَرَةٌ أي سواد وظلمة ولا ترى أوحش من اجتماع الغرة والسواد في الوجه وسوّى الفيروزآبادي والجوهري بين الغبرة والقترة فقيل المراد بالقترة الغبار حقيقة، وبالغبرة ما يغشاهم من العبوس من الهم. وقيل: هما على حقيقتهما والمعنى أن عليها غبارا وكدورة فوق غبار وكدورة.
وقال زيد بن أسلم: الغبرة ما انحطت إلى الأرض والقترة ما ارتفع إلى السماء، والمراد وصول الغبار إلى وجوههم من فوق ومن تحت والمعول عليه ما تقدم. وقرأ ابن أبي عبلة «قترة» بسكون التاء أُولئِكَ إشارة إلى أصحاب تلك الوجوه وما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد درجتهم في سوء الحال أي أولئك الموصوفون بما ذكر هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ أي الجامعون بين الكفر والفجور فلذلك جمع الله تعالى لهم بين الغبرة والقترة وكان الغبرة للفجور والقترة للكفور نعوذ بالله عز وجل من ذلك.