إذ لا يذهب إلى خالق سواه عز وجل فخم بالإضمار ثانيا، والضمير الثاني للإنسان أي إن ذلك الذي خلقه ابتداء مما ذكر على إعادته بعد موته لبين القدرة وهذا كما في قوله:
فإنه أراد لبين الفقر وإلّا لم يصح إيراده في مقابلة لأفقر مني والتأكيد البالغ لفظا لما قام عليه البرهان الواضح معنى، ولذا فسر (قادر) هنا يبين القدرة كما في الكشاف واعتبر فيه أيضا الاختصاص، فقال: أي على إعادته خصوصا وكأن ذلك لأن الغرض المسوق له الكلام ذلك فكأن ما سواه مطرح بالنسبة إليه وحينئذ يراد ما ذكر جعل الجار من صلة لقادر أو مدلولا على موصوله به على المذهبين، وفصل الجملة عما سبق لكونه جواب الاستفهام دونها. وقال مجاهد وعكرمة:
الضمير الثاني للماء أي إنه تعالى على رد الماء في الإحليل أو في الصلب لقادر وليس بشيء ومثله كون المعنى على تقدير كونه للإنسان أنه جل وعلا رده من الكبر إلى الشباب لقادر كما روي عن الضحاك وما ذكرناه أولا مروي عن ابن عباس يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ أي يتعرف ويتصفح ما أسر في القلوب من العقائد والنيات وغيرها ومما أخفى من الأعمال ويميز بين ما طاب منها وما خبث، وأصل الابتلاء الاختبار وإطلاقه على ما ذكر إطلاق على اللازم وحمل السرائر على العموم هو الظاهر. وأخرج ابن المنذر عن عطاء ويحيى بن أبي كثير أنها الصوم والصلاة والغسل من الجنابة.
وأخرج البيهقي في الشعب عن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ضمن الله تعالى خلقه أربعا الصلاة والزكاة وصوم رمضان والغسل من الجنابة وهن السرائر التي قال الله تعالى يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ»
وفي البحر ضم التوحيد إليها ولعل المراد بيان عظيمها على سبيل المبالغة لا حقيقة الحصر وسمع الحسن من ينشد قول الأحوص:
سيبقى لها في مضمر القلب والحشا ... سريرة ود يوم تبلى السرائر
فقال: ما أغفله عما في السَّماءِ وَالطَّارِقِ وكأنه حمل البقاء فيه على عدم التعرف أصلا فليفهم ويوم عند جمع من الحذاق ظرف لمحذوف يدل عليه أي يرجعه يوم إلخ. وقال الزمخشري وجماعة: ظرف لرجعه واعترض بأن فيه فصلا بين المصدر ومعموله بأجنبي وأجيب تارة بأنه جائز لتوسعهم في الظروف وأخرى بأن الفاصل هنا غير أجنبي لأنه إما تفسير أو عامل على المذهبين وقال عصام الدين: إن الفصل بهذا الأجنبي كلا فصل لأن المعمول في نية التقديم عليه وإنما أخّر لرعاية الفاصلة وفيه ما لا يخفى. وقيل: ظرف لناصر بعد وتعقبه أبو حيان بأنه فاسد لأن ما بعد الفاء لا يعمل فيما قبلها وكذلك ما النافية على المشهور المنصور وقيل معمول لأذكر محذوفا وهو كما ترى، ويتعين هو أو ما قبله على رأي مجاهد وعكرمة ورأى الضحاك السابقين آنفا وجوز الطبرسي تعلقه بقادر ولم يعلقه جمهور المعربين به لأنه يوهم اختصاص قدرته عز وجل بيوم دون يوم كما قال غير واحد. وقال ابن عطية: فروا من أن يكون العامل لَقادِرٌ للزوم تخصيص القدرة في ذلك اليوم وحده وإذا تؤمل المعنى وما يقتضيه فصيح كلام العرب جاز أن يكون العامل وذلك أنه تعالى قال عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ على الإطلاق أو وآخرا وفي كل وقت ثم ذكر سبحانه من الأوقات الوقت الأعظم على الكفار لأنه وقت الجزاء والوصول إلى العذاب ليجتمع الناس على حذره والخوف منه انتهى وهو على ما فيه لا يدفع الإيهام فَما لَهُ أي الإنسان مِنْ قُوَّةٍ في نفسه يمتنع بها وَلا ناصِرٍ ينتصر به وَالسَّماءِ وهي المظلة في قول الجمهور ذاتِ الرَّجْعِ أي المطر في قولهم أيضا كما في قوله الخنساء:
يوم الوداع ترى دموعا جاريه ... كالرجع في (١) المدجنة السارية