وأصله مصدر رجع المتعدي واللازم أيضا في قول ومصدره الخاص به الرجوع سموا به المطر كما سموه بالأب مصدر آب ومنه قوله:
رياء شماء لا يأوي لقلتها ... إلا السحاب وإلا الأوب والسبل
ليرجع أو لأن السحاب يحمله من بحار الأرض ثم يرجعه إلى الأرض، وبنى هذا غير واحد على الزعم وفيه بحث وعن أو المراد به فيه النحل لأن الله تعالى يرجعه حينا فحينا، وقال الحسن: لأنه يرجع بالرزق كل عام أو أرادوا بذلك التفاؤل. ابن عباس ومجاهد تفسير السماء بالسحاب والرجع بالمطر وقال ابن زيد السَّماءِ هي المعروفة والرَّجْعِ رجوع الشمس والقمر والكواكب من حال إلى حال ومن منزلة إلى منزلة فيها وقبل رجوعها نفسها فإنها ترجع في كل دورة إلى الموضع الذي تتحرك منه وهذا مبني على أن السماء والفلك واحد فهي تتحرك ويصير أوجها حضيضا وحضيضها أوجا وقد سمعت فيما تقدم أن ظاهر كلام السلف أن السماء غير الفلك وأنها لا تدور ولا تتحرك والذي ذكر رأي الفلاسفة ومن تابعهم. وقيل الرَّجْعِ الملائكة عليهم السلام سموا بذلك لرجوعهم بأعمال العباد وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ هو ما تتصدع عنه الأرض من النبات وأصله الشق سمّي به النبات مجازا، أو هو مصدر من المبني للمفعول فالمراد تشققها بالنبات وروي ذلك عن عطية وابن زيد، وقيل: تشققها بالعيون، وتعقب بأن وصف السماء والأرض عند الإقسام بهما على حقيقة القرآن الناطق بالبعث بما ذكر من الوصفين للإيماء إلى أنهما في أنفسهما من شواهده، وهو السر في التعبير عن المطر بالرجع وذلك في تشقق الأرض بالنبات المحاكي للنشور حسبما ذكر في مواضع من التنزيل لا في تشققها بالعيون، ويعلم منه ما في تفسير الرجع بغير المطر وكذا ما في قوله مجاهد الصَّدْعِ ما في الأرض من شقاق وأودية وخنادق وتشقق بحرث وغيره وما روي عنه أيضا الصَّدْعِ الطرق تصدعها المشاة وقيل ذات الأموات لانصداعها عنهم للنشور إِنَّهُ أي القرآن الذي من جملته هذه الآيات الناطقة بمبدأ حال الإنسان ومعاده وهو أولى من جعل الضمير راجعا لما تقدم أي ما أخبرتكم به من قدرتي على حيائكم لأن القرآن يتناول ذلك تناولا أوليا. وقوله تعالى لَقَوْلٌ فَصْلٌ أنسب به والمراد لقول فاصل بين الحق والباطل قد بلغ الغاية في ذلك حتى كأنه نفس الفصل وقيل مقابلة الفصل بالهزل بعد يستدعي أن يفسر بالقطع أي قول مقطوع به والأول أحسن وَما هُوَ بِالْهَزْلِ أي ليس في شيء منه شائبة هزل بل كله جد محض فمن حقه أن يهتدي به الغواة وتخضع له رقاب العتاة.
وفي حديث أخرجه الترمذي والدارمي وابن الأنباري عن الحارث الأعور عن علي كرم الله تعالى وجهه قال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «إنها ستكون فتنة» قلت: فما المخرج منها يا رسول الله؟ قال:«كتاب الله فيه نبأ من قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم هو الفصل ليس بالهزل من تركه من جبار قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، وهو حبل الله المتين وهو الذكر الحكيم وهو الصراط المستقيم هو الذي لا تزيغ فيه الأهواء ولا تشبع منه العلماء ولا تلتبس به الألسن ولا يخلق عن الرد، ولا تنقضي عجائبه هو الذي لم تلته الجن لما سمعته عن أن قالوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ [الجن: ١، ٢] من قال به صدق ومن حكم به عدل ومن عمل به أجر ومن هدى به هدي إلى صراط مستقيم»
وفي هذا من الرد على الذين نبذوه وراء ظهورهم ما فيه.
إِنَّهُمْ أي كفار مكة يَكِيدُونَ يعملون المكايد في إبطال أمره وإطفاء نوره أو في إبطال أمر الله