ينتفعوا به وفيه تسلية له صلّى الله عليه وسلم، ورجح الأول بأن فيه إبقاء الشرط على حقيقته مع كونه أنسب بقوله تعالى سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى أي سيذكر بتذكيرك من من شأنه أن يخشى الله تعالى حق خشيته أو من يخشى الله تعالى في الجملة فيزداد ذلك التذكير فيتفكر في أمر ما تذكره به فيقف على حقيقته فيؤمن به وقيل إن إِنْ بمعنى إذ كما
في قوله تعالى وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ [آل عمران: ١٣٩] أي إذ كنتم لأنه سبحانه لم يخبرهم بكونهم الأعلون إلّا بعد إيمانهم
وقوله صلّى الله عليه وسلم في زيارة أهل القبور: «وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون»
وأثبت هذا المعنى لها الكوفيون احتجاجا بما ذكر ونظائره وأجاب النافون عن ذلك بما في المغني وغيره وقيل هي بمعنى قد، وقد قال بهذا المعنى قطرب. وقال عصام الدين: المراد أن التذكير ينبغي أن يكون بما يكون مهما لمن له التذكير فينبغي تذكير الكافرين بالإيمان لا بالفروع كالصلاة والصوم والحج إذ لا تنفعه بدون الإيمان، وتذكير المؤمن التارك للصلاة بها دون الإيمان مثلا وهكذا فكأنه قيل: ذكر كل واحد بما ينفعه ويليق به. وقال الفرّاء والنحاس والجرجاني والزهراوي: الكلام على الاكتفاء والأصل فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى وإن لم تنفع كقوله تعالى سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ [النحل: ٨١] والظاهر أن الذين لا يقولون بمفهوم المخالفة سواء كان مفهوم الشرط أو غيره لا يشكل عليهم أمر هذه الآية كما لا يخفى.
يَتَجَنَّبُهَا
أي ويتجنب الذكرى ويتحاماهاَْشْقَى
وهو الكافر المصرّ على إنكار المعاد ونحوه الجازم بنفي ذلك مما يقتضي الخشية بوجه وهو أشقى أنواع الكفرة. وقيل: المراد به الكافر المتوغل في عداوة الرسول صلّى الله عليه وسلم كالوليد بن المغيرة وعتبة بن ربيعة. وقد روي أن الآية نزلت فيهما فإنه أشقى من غير المتوغل. وقيل: المراد به الكافر مطلقا فإنه أشقى من الفاسق وقيل المفضل عليه كفرة سائر الأمم فإنه حيث كان المؤمن من هذه الأمة أسعد من مؤمنيهم كان الكافر منها أشقى من كافريهم والأوجه عندي في المراد بالأشقى ما تقدم الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى أي الطبقة السفلى من أطباق النار كما قال الفراء ولا بعد في تفاضل نار الآخرة وكون بعض منها أكبر من بعض وأشد حرارة. وقال الحسن الْكُبْرى نار الآخرة، والصغرى نار الدنيا
ففي الصحيحين عن أبي هريرة مرفوعا: «ناركم هذه جزء من سبعين جزءا من نار جهنم» .
وفي رواية للإمام أحمد عنه مرفوعا أيضا: «إن هذه النار جزء من مائة جزء من جهنم»
فلعل السبعين وارد مورد التكثير وهو كثير ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها فيستريح وَلا يَحْيى أي حياة تنفعه، وقيل: إن روح أحدهم تصير في حلقه فلا تخرج فيموت ولا ترجع إلى موضعها من الجسد فيحيا وهو غير غني عن التقييد بنحو حياة كاملة على أنه بعد لا يخلو عن بحث وثم للتراخي في الرتبة فإن هذه الحالة أفظع وأعظم من نفس المصلي.
وقال عصام الدين: يحتمل أن يكون هذا الكلام كناية عن عدم النجاة لأن النجاة عن العذاب إنما يكون بالعمل في دار يموت فيها العامل ويحيا، والنظم أقرب إلى هذا المعنى كيف واللائق بالمعنى السابق ثم لا يكون ميتا فيها ولا حيا فتأمل انتهى. وفي كون اللائق بالمعنى السابق ما ذكره دون ما في النظم الجليل منع ظاهر والظاهر أنه لائق به مع تضمنه رعاية الفواصل وكذا في توجيه كون ما ذكر كناية عن عدم النجاة خفاء وكأنه لذلك أمر بالتأمل وقد يقال: إن مثل ذلك الكلام يقال لمن وقع في شدة واستمر فيها فلا يبعد أن يكون فيه إشارة إلى خلودهم في العذاب وأمر التراخي الرتبي عليه ظاهر أيضا لظهور أن الخلود في النار الكبرى أفظع من دخولها وصليها. واعلم أن عدم الموت في النار على ما صرح به غير واحد مخصوص بالكفرة وأما عصاة المؤمنين الذين يدخلونها فيموتون فيها، واستدل لذلك بما
أخرجه مسلم عن أبي سعيد عن النبي صلّى الله عليه وسلم: «أما