للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم- أو قال- بخطاياهم فأماتهم الله تعالى إماتة حتى إذا كانوا فحما أذن في الشفاعة فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ثم قيل: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم من الماء فينبتون نبات الحبة في حميل السيل»

قال الحافظ ابن رجب: إنه يدل على أن هؤلاء يموتون حقيقة وتفارق أرواحهم أجسادهم، وأيد بتأكيد الفعل بالمصدر في

قوله عليه الصلاة والسلام «فأماتهم الله تعالى إماتة»

وأظهر منه ما

أخرجه البزار عن أبي هريرة مرفوعا: «إن أدنى أهل الجنة حظا أو نصيبا قوم يخرجهم الله تعالى من النار فيرتاح لهم الرب تبارك وتعالى وذلك أنهم كانوا لا يشركون بالله تعالى شيئا فينبذون بالعراء فينبتون كما ينبت البقل، حتى إذا دخلت الأرواح أجسادهم فيقولون ربنا كما أخرجتنا من النار وأرجعت الأرواح إلى أجسادنا فاصرف وجوهنا عن النار، فينصرف وجوههم عن النار»

وهذه الإماتة على ما اختاره غير واحد بعد أن يذوقوا ما يستحقونه من عذابها بحسب ذنوبهم كما يشعر به حديث مسلم وإبقاؤهم فيها ميتين إلى أن يؤذن بالشفاعة لإيجابه تأخير دخولهم الجنة تلك المدة كان تتمة لعقوبتهم بنوع آخر فتكون ذنوبهم قد اقتضت أن يعذبوا بالنار مدة ثم يحسبوا فيها من غير عذاب مدة فهم كمن أذنب في الدنيا فضرب وحبس بعد الضرب جزاء لذنبه ولم يبقوا أحياء فيها من غير عذاب كخزنتها إما ليكون أبعد عن أن يهولهم رؤيتها، أو لتكون الإماتة وإخراج الروح من تتمة العقوبة أيضا. وقال القرطبي: يجوز أن تكون إماتتهم عند إدخالهم فيها ويكون إدخالهم وصرف نعيم الجنة عنهم مدة كونهم فيها عقوبة لهم كالحبس في السجن بلا غل ولا قيد مثلا، ويجوز أن يكونوا متألمين حالة موتهم نحو تألم الكافر بعد موته وقبل قيام الساعة ويكون ذلك أخف من تألمهم لو بقوا أحياء كما أن تألم الكافر بعد موته في قبره أخف من تألمه إذا أدخل النار بعد البعث وهو كما ترى. وفي مطامح الأفهام يجوز أن يراد بالإماتة المذكورة وفي الحديث الإنامة وقد سمى الله تعالى النوم وفاة لأن فيه نوعا من عدم الحسن.

وفي الحديث المرفوع: «إذا أدخل الله تعالى الموحدين النار أماتهم فيها فإذا أراد سبحانه أن يخرجوا أمسهم العذاب تلك الساعة»

انتهى.

والمعول عليه ما ذكرناه وأولا والله تعالى أعلم.

قَدْ أَفْلَحَ أي نجا من المكروه وظفر بما يرجوه مَنْ تَزَكَّى أي تطهر من الشرك بتذكره واتعاظه بالذكرى وحمله على ذلك مروي عن ابن عباس وغيره.

وأخرج البزار وابن مردويه عن جابر بن عبد الله عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال في ذلك: «من شهد أن لا إله إلّا الله وخلع الأنداد وشهد أني رسول الله»

واعتبر بعضهم أمرين فقال: أي تطهر من الكفر والمعصية وعليه يجوز أن يكون ما تقدم من باب الاقتصار على الأهم، وقيل تزكى أي تكثر من التقوى والخشية من الزكاء وهو النماء، وقيل تطهر للصلاة، وقيل آتى الزكاة وروي هذا عن أبي الأحوص وقتادة وجماعة وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ بلسانه وقلبه لا بلسانه مع غفلة القلب إذ مثل ذلك لا ثواب فيه فلا ينبغي أن يدخل فيما يترتب عليه الفلاح والذكر القلبي باستحضار اسمه تعالى في القلب وإن كان ممدوحا بلا شبهة إلّا أن إرادته بخصوصه مما ذكر خلاف الظاهر وحكاه في مجمع البيان عن بعض. وما روي عن ابن عباس من قوله أي ذكر معاده وموقفه بين يدي ربه عز وجل ظاهر فيه وفي إقحام لفظ اسْمَ وذهب بعض الحنفية إلى أن المراد بهذا الذكر تكبيرة الافتتاح كأنه قيل وكبر للافتتاح

فَصَلَّى أي الصلوات الخمس كما أخرجه ابن المنذر وغيره عن ابن عباس وروي ذلك في حديث مرفوع

وقيل: الصلاة المفروضة وما أمكن من النوافل، واحتج بذلك على وجوب التكبيرة حيث نيط به الفلاح ووقع بين واجبين بل فرضين

<<  <  ج: ص:  >  >>