للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التزكي من الشرك والصلاة مع أن الاحتياط في العبادات واجب فلا يضر الاحتمال وعلى أن الافتتاح جائز بكل اسم من أسمائه عز وجل وهو ظاهر، وعلى أن التكبيرة شرط لا ركن للعطف بالفاء وعطف الكل على الجزء كعطف العام على الخاص وإن جاز لا يكون بها مع أنه لو سلم صحته بتكلف فلا بد له من نكتة ليدعي وقوعه في الكلام المعجز فحيث لم تظهر لم يصح ادعاؤه وبناء الركنية عليه والانصاف أنه مع ما سمعت احتجاج ليس بالقوي، وقيل هو خصوص بسم الله الرحمن الرحيم قبل الصلاة وليس بشيء.

وعن علي كرم الله تعالى وجهه تَزَكَّى أي تصدق صدقة الفطر وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ كبّر يوم العيد. فَصَلَّى صلاة العيد

. وعن جماعة من السلف ما يقتضي ظاهره ذلك، وتعقب بأن الصلاة مقدمة على الزكاة في القرآن وأن السورة مكية ولم يكن حينئذ عيد ولا فطر، ورد بأن ذلك إذا ذكرت باسمها أما إذا ذكرت بفعل فتقديمها غير مطدر ومنه فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى [القيامة: ٣١] على أنه يجوز أن تكون مخالفة العادة هاهنا للإرشاد إلى أن هذه الزكاة المقدمة قولا ينبغي تقديمها فعلا على الصلاة ولهذا كانوا يخرجونها قبل أن يصلوا العيد كما جاء في الآثار، وكون السورة مكية غير مجمع عليه وعلى القول بمكيتها الذي هو الأصح يكون ذلك مما تأخر حكمه عن نزوله. وأقول أن يقال تَزَكَّى أي تطهر من الشرك بأن آمن بقلبه وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ أي قال لا إله إلا الله فَصَلَّى أي الصلاة المفروضة وأخرج ابن أبي حاتم وابن جرير وابن المنذر عن ابن عباس ما يؤيده فيكون تَزَكَّى إشارة إلى التصديق بالجنان وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ إلى النطق باللسان فَصَلَّى إلى العمل بالأركان لما أن الصلاة عماد الدين وأفضل الأعمال البدنية وناهية عن الفحشاء والمنكر فلا بدع أن تذكر فيراد جميع الأعمال البدنية والعبادات القلبية وقد يقال: اقتصر على ذكر الصلاة لأن الفرائض والواجبات البدنية لم تكن تامة يوم نزول السورة وكانت الصلاة أهم ما نزل إن كان نزل غيرها. وقد روى عطاء عن ابن عباس ويزيد النحوي عن عكرمة والحسن بن أبي الحسن أن أول ما نزل من القرآن بمكة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ثم ن ثم المزمل ثم المدثر ثم تَبَّتْ ثم إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ ثم سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ثم إن من رداف لا إله إلا الله محمد رسول الله وكان ذكر الله تعالى المطلوب هو مجموع الجملتين فلا بعد في أن يراد من ذكره تعالى في الآية وإذا اعتبر الإتيان باسمه عز وجل في الجملة الثانية على الوجه الذي أتى به ذكرا له تعالى كان أمر الإرادة أقرب وهذا الوجه لا يخلو عن حسن. وكلمة قَدْ لما أنه عند الإخبار بسوء حال المتجنب عن الذكر في الآخرة يتوقع السامع الإخبار بحسن حال المتذكر فيها. ولا يبعد أن تكون الجملة مستأنفة استئنافا جوابا لسؤال نشأ عن بيان حال المتجنب والسكوت عن حال المتذكر الذي يخشى فكأنه قيل: ما حال من تذكر؟ فقيل قَدْ أَفْلَحَ إلى آخره وكان الظاهر قد أفلح من تذكر إلا أنه وضع مَنْ تَزَكَّى إلى آخره موضع من تذكر إشارة إلى بيان المتذكر بسماته.

وقوله تعالى بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا إضراب عن مقدر ينساق إليه الكلام كأنه قيل إثر بيان ما يؤدي إلى الفلاح لا تفعلون ذلك بَلْ تُؤْثِرُونَ إلخ ولعله مراد من قال إنه إضراب عن قَدْ أَفْلَحَ إلخ وقيل إضراب عن بيان حال المتذكر والمتجنب إلى بيان أنه لا ينفع هذا البيان وأضعافه المتمردين على وجه يتضمن بيان سبب عدم النفع وهو إيثار الحياة الدنيا، والخطاب على هذا للكفرة الأشقين من أهل مكة وعلى الأول يحتمل أن يكون لهم فالمراد بإيثار الحياة الدنيا هو الرضاء والاطمئنان بها والإعراض عن الآخرة بالكلية كما في قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها [يونس: ٧] الآية ويحتمل أن

<<  <  ج: ص:  >  >>