إله إلا الله، أو هي ما دلت على حق كما قال بعضهم: وتدخل كلمة التوحيد دخولا أوليا أو بالملة الحسنى وهي ملة الإسلام. وقال عكرمة وجماعة: وروي عن ابن عباس أيضا هي المثوبة بالخلف في الدنيا مع المضاعفة وقال مجاهد: الجنة، وقيل: المثوبة مطلقا ويترجح عندي أن الإعطاء إشارة إلى العبادة المالية، والاتقاء إشارة إلى ما يشمل سائر العبادات من فعل الحسنات وترك السيئات مطلقا والتصديق بالحسنى إشارة إلى الإيمان بالتوحيد أو بما يعمه وغيره مما يجب الإيمان به وهو تفصيل شامل للمساعي كلها، وتقديم الإعطاء لما أنه سبب النزول ظاهرا فقد أخرج الحاكم وصححه عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال:
قال أبو قحافة لأبي بكر رضي الله تعالى عنه: أراك تعتق رقابا ضعافا فلو أنك إذ فعلت ما فعلت أعتقت رجالا جلدا يمنعونك ويقيمون دونك. فقال: يا أبه إنما أريد ما أريد، فنزلت فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى إلى وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن ابن مسعود قال: إن أبا بكر اشترى بلالا من أمية بن خلف ببردة وعشرة أواق فأعتقه فأنزل الله تعالى وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى - إلى قوله سبحانه- إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى وكذا على القول بأنها نزلت في أبي الدحداح. ولما كان الإيمان أمرا معتنى به في نفسه أخر عن الاتقاء ليكون ذكره بعده من باب ذكر الخاص بعد العام مع ما في ذلك من رعاية الفاصلة.
وقيل: المراد أعطى الطاعة واتقى المعصية وصدق بالكلمة الدالّة على الحق ككلمة التوحيد. وفيه أن المعروف في الإعطاء تعلقه بالمال خصوصا وقد وقع في مقابلة ذكر البخل والمال وأمر تأخير الإيمان عليه بحاله وقيل أخر لأن من جملة إعطاء الطاعة بالإصغاء لتعلم كلمة التوحيد التي لا يتم الإيمان إلّا بها. ومن جملة الاتقاء عن الإشراك وهما متقدمان على ذلك وليس بشيء فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى فسنهيئه للخلصة التي تؤدي إلى يسر وراحة كدخول الجنة ومباديه، من يسر الفرس للركوب إذا أسرجها وألجمها. ووصفها باليسرى إما على الاستعارة المصرحة أو المجاز المرسل أو التجوز في الإسناد.
وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ بماله فلم يبذله في سبيل الخير وقيل أي بخل بفعل ما أمر به وفيه ما فيه وَاسْتَغْنى أي وزهد فيما عنده عز وجل كأنه مستغنى عنه سبحانه فلم يتقه جل وعلا أو استغنى بشهوات الدنيا عن نعيم العقبى لأنه في مقابلة واتقى. كما أن قوله تعالى وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى في مقابلة وصدق بالحسنى والمراد بالحسنى فيه ما مر في الأقوال قبل فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى أي للخصلة المؤدية إلى العسر والشدة كدخول النار ومبادئه ووصفها بالعسرى على نحو ما ذكر، وأصل التيسير من اليسر بمعنى السهولة لكن أريد التهيئة والإعداد للأمر أعني ما يفضي إلى راحة وما يفضي إلى شدة. والسين في فَسَنُيَسِّرُهُ قيل للتأكيد وقيل للدلالة على أن الجزاء الموعود معظمه يكون في الآخرة التي هي أمر منتظر متراخ، وتقديم البخل فالاستغناء فالتكذيب يعلم وجهه مما تقدم. وفي الإرشاد لعل تصدير القسمين بالإعطاء والبخل مع أن كلّا منهما أدنى رتبة مما بعد في استتباع التيسير لليسرى والتعسير للعسرى للإيذان بأن كلّا منهما أصيل فيما ذكر لما بعدهما من التصديق والتقوى والتكذيب والاستغناء. وقيل التيسير أولا بمعنى اللطف وثانيا بمعنى الخذلان، واليسرى والعسرى الطاعة لكونها أيسر شيء على المتقي وأعسره على غيره، والمعنى أما من أعطى فسنلطف به ونوفقه حتى تكون الطاعة عليه أيسر الأمور وأهونها من قوله تعالى فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ [الأنعام: ١٢٥] وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ إلخ فسنخذله ونمنعه الإلطاف حتى تكون الطاعة أعسر شيء عليه وأشد من قوله تعالى يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ [الأنعام: ١٢٥] ، وأصل هذا