فسنيسره للطاعة العسرى ثم أريد ما ذكر على أن الوصف هو المقصود بتعلق التيسير أعني التعسير لا الموصوف أعني الطاعة، ومع هذا إطلاق التيسير للعسرى مشاكلة. وجوز أن يراد باليسرى طريق الجنة وبالعسرى طريق النار وبالتيسير في الموضعين معنى الهداية وهو في الآخرة وعدا ووعيدا وأمر المشاكلة فيه على حاله. وجوز أن يراد بالتيسير التهيئة والإعداد واليسرى والعسرى الطاعة والمعصية ومبادئهما من الصفات المحمودة والمذمومة وهو وجه حسن غير بعيد عن الأول وكلاهما حسن الطباق لما صح في الأخبار
أخرج الإمام أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة وغيرهم عن علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه قال: كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في جنازة فقال: «ما منكم من أحد إلّا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار» فقالوا: يا رسول الله أفلا نتكل؟ فقال:«اعملوا فكل ميسر لما خلق له، أما من كان من أهل السعادة فييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاء فييسر لعمل أهل الشقاء» ثم قرأ عليه الصلاة والسلام «فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى» الآيتين
وكان حاصل ما أراده صلّى الله عليه وسلم بقوله:«اعملوا» إلخ عليكم شأن العبودية وما خلقتم لأجله وأمرتم به وكلوا أمور الربوبية المغيبة إلى صاحبها فلا عليكم بشأنها. وأيّا ما كان فالمراد بمن أعطى إلخ وبمن بخل إلخ المتصف بعنوان الصلة مطلقا وإن كان السبب خاصا إذا العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. نعم هو قطعي الدخول وقيل من أعطى أبو بكر رضي الله تعالى عنه، ومن بخل أمية بن خلف. وأخرج عبد بن حميد وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس أن الأول أبو بكر رضي الله تعالى عنه والثاني أبو سفيان بن حرب ونحوه عن عبد الله بن أبي أوفى وفي هذا نظر لأن أبا سفيان أسلم وقوي إسلامه في آخر أمره عند أهل السنة. وفي رواية الطستي عنه أن وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ إلخ نزل في أبي جهل ولعل كل ما قيل من التخصيص فهو من باب التنصيص على بعض أفراد العام لتحقق دخوله فيه عند من خصص.
وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ أي ولا يغني عنه على أن ما نافية أو أي شيء يغني عنه ماله الذي يبخل به على أنها استفهامية إِذا تَرَدَّى أي هلك تفعل من الردى وهو الهلاك قاله مجاهد. وقيل تردى في حفرة القبر.
وقال قتادة وأبو صالح: تردى في جهنم أي سقط وقال قوم تردى بأكفانه من الرداء وهو كناية عن موته وهلاكه إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى استئناف مقرر لما قبله أي إن علينا بموجب قضائنا المبني على الحكم البالغة حيث خلقنا الخلق للعبادة أي ندلهم ونرشدهم إلى الحق أو أن نبين لهم طريق الهدى وما يؤدي إليه من طريق الضلال وما يؤدي إليه وقد فعلنا ذلك بما لا مريد عليه فلا يتم الاستدلال بالآية على الوجوب عليه عز وجل بالمعنى الذي يزعمه المعتزلة. وقيل: المراد أن الهدى موكول علينا لا على غيرنا كما قال سبحانه إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ [القصص: ٥٦] وليس المعنى أن الهدى يجب علينا حتى يكون بظاهره دليلا على وجوب الأصلح عليه تعالى عن ذلك علوا كثيرا. وفيه أن تعلق الجار بالكون الخاص أعني موكولا خلاف الظاهر ومثله ما قيل إن المراد ثم إن علينا طريقة الهدى على معنى أن من سلك الطريقة المبينة بالهدى والإرشاد إليها يصل إلينا كما قيل في قوله تعالى وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ [النحل: ٩] أي من سلك السبيل القصد أي المستقيم وصل إليه سبحانه وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى أي التصرف الكلي فيهما كيفما نشاء فنفعل فيهما ما نشاء من الأفعال التي من جملتها ما ذكرنا فيمن أعطى وفيمن بخل أو أن لنا ذلك فنثيب من اهتدى وأنجع فيه هدانا أو أن لنا كل ما في الدارين فلا يضرنا ترككم الاهتداء وعدم انتفاعكم بهدانا، أو فلا ينفعنا اهتداؤكم كما لا يضرنا ضلالكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل