للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليها فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى قيل متفرع على كون الهدى عليه سبحانه أي فهديتكم بالإنذار وبالغت في هدايتكم وتَلَظَّى بمعنى تلتهب وأصله تتلظى بتاءين فحذفت منه إحداهما. وقد قرأ بذلك ابن الزبير وزيد بن علي وطلحة وسفيان بن عيينة وعبيد بن عمير لا يَصْلاها إِلَّا الْأَشْقَى المراد به الكافر فإنه أشقى من الفاسق ويفصح بذلك وصفه بقوله تعالى الَّذِي كَذَّبَ أي بالحق وَتَوَلَّى وأعرض عن الطاعة وَسَيُجَنَّبُهَا أي سيبعد عنها الْأَتْقَى المبالغ في اتقاء الكفر والمعاصي فلا يحوم حولها. واستشكل بأن صلى النار دخولها أو مقاساة حرها وهو لازم دخولها على المشهور فالحصر السابق يقتضي أن لا يصلى المؤمن العاصي النار لأنه ليس داخلا في عموم الأشقى الموصوف بما ذكر وأن سيجنبها الأتقى يقتضي بمفهومه أن غير الأتقى أعني التقي في الجملة وهو المؤمن العاصي لا يجنبها بل يصلاها، فبيّن الحصرين مخالفة. وأجيب بأن الصلى ليس مطلق دخول النار ولا مطلق مقاساة حرها بل هو مقاساته على وجه الأشدية، فقد نقل ابن المنير عن أئمة اللغة أن الصلى أن يحفروا حفيرة فيجمعوا فيها جمرا كثيرا ثم يعمدوا إلى شاة فيدسوها وسطه بين أطباقه فالمعنى لا يعذب بين أطباقها ولا يقاسي حرها على وجه الأشدية إلا الأشقى وسيبعد عنها الأتقى فلا يدخلها فضلا عن مقاساة ذلك فيلزم من الأول أن غير الأشقى وهو المؤمن العاصي لا يعذب بين أطباقها ولا يقاسي حرها على وجه الأشدية، ولا يلزم منه أن لا يدخلها ولا يعذب بها أصلا فيجوز أن يدخلها ويعذب بها على وجهها عذابا دون ذلك العذاب. ويلزم من الثاني أن غير الأتقى لا يجنبها ولا يلزم منه أن غيره أعني التقي في الجملة وهو المؤمن العاصي يصلاها ويعذب بين أطباقها أشد العذاب، بل غايته أنه لا يجنبها فيجوز أن يدخلها ويعذب بها على وجهها عذابا ليس بالأشد فلا مخالفة بين الحصرين واعتبر بعضهم في الصلى الأشدية لما ذكر واللزوم هنا لمقابلته بقوله تعالى وَسَيُجَنَّبُهَا كذا قيل. واستحسن جعل السين للتأكيد ليكون المعنى يجنبها الأتقى ولا بد فيفيد على القول بالمفهوم أن غيره وهو المؤمن العاصي لا يجنبها ولا بد على معنى أنه يجوز أن يجنبها، ويجوز أن لا يجنبها بل يدخلها غير صال بها. وقرر الزمخشري الاستشكال بأنه قد علم أن كل شقي يصلاها وكل تقي يجنبها لا يختص الصلى بأشقى الأشقياء ولا التجنب والنجاة بأتقى الأتقياء وظاهر الجملتين وذلك. وأجاب بما حاصله أن الحصر حيث كانت الآية واردة للموازنة بين حالتي عظيم من المشركين وعظيم من المؤمنين ادعائي مبالغة لا حقيقي كان غير هذا الأشقى غير صال وغير هذا الأتقى

غير مجنب بالكلية، واستحسنه في الكشف فقال: هو معنى حسن وأنت تعلم أن مبنى ما قاله على الاعتزال وتخليد العصاة في النار. وقال القاضي: إن قوله تعالى لا يَصْلاها لا يدل على أنه تعالى لا يدخل النار إلّا الكفار كما يقول المرجئة وذلك لأنه تعالى نكر النار فيها، فالمراد أن نارا من النيران لا يصلاها إلّا من هذه حاله والنار دركات على ما علم من الآيات فمن أين عرف أن هذه النار لا يصلاها قوم آخرون.

وتعقبه الزمخشري بأنه ما يصنع عليه بقوله تعالى وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى فقد علم أن أفسق المسلمين يجنب تلك النار المخصوصة لا الأتقى منهم خاصة، وأجيب بأنه لعل هذا القائل لا يقول بمفهوم الصفة ونحوها فلا تفيد الآية المذكورة عنده الحصر ويكون تمييز هذا الأتقى عنده بمجموع التجنب وما سيذكر بعد، ولعل كل من لا يقول بالمفهوم لا يشكل عليه الأمر إلا أمر الحضر في لا يصلاها إلخ فإنه كالنص في بادىء النظر فيها يدعيه المرجئة لحملهم الصلى فيه على مطلق الدخول. وأيدوه بما

أخرج الإمام أحمد وابن ماجة وابن مردويه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «لا يدخل النار إلّا من شقي» قيل: ومن الشقي؟ قال: «الذي لا يعمل لله تعالى طاعة ولا يترك لله تعالى معصية»

. وهذا الخبر ونحوه من الأخبار مما يستندون إليه في تحقيق دعواهم

<<  <  ج: ص:  >  >>