وأهل السنة يؤولون ما صح من ذلك للنصوص الدالة على تعذيب بعض ممن ارتكب الكبيرة على ما بيّن في موضعه. وقيل في الجواب أن المراد بالأشقى والأتقى الشقي والتقي وشاع أفعل في مثل ذلك ومنه قول طرفة:
تمنى رجال أن أموت فإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فإنه أراد بواحد واعترض بأنه لا يحسم مادة الإشكال إذ ذلك الشقي في الآية ليس إلّا الكافر فيلزم الحصر أن لا يدخل النار أو لا يعذب بها غيره من أنه خلاف المذهب الحق، وأيضا أن ذلك التقي فيها قد وصف بما وصف فعلى القول بالمفهوم يلزم أن لا يجنبها التقي الغير الموصوف بذلك كالتقي الذي لا مال له وكغيره والمكلفين من الأطفال والمجانين مع أن الحق أنهم يجتنبونها وقيل غير ذلك. ولعلك بعد الاطلاع عليه وتدقيق النظر في جميع ما قيل واستحضار ما عليه الجماعة في أهل الجمع تستحسن إن قلت بالمفهوم ما استحسنه صاحب الكشف مما مر عن الزمخشري وإن لم تكن ممن يقول بتخليد أهل الكبائر من المؤمنين فتأمل. وجنب يتعدى إلى مفعولين فالضميرها هنا المفعول الثاني، والأتقى المفعول الأول وهو النائب عن الفاعل. ويقال: جنب فلان خيرا وجنب شرا، وإذا أطلق فقيل جنب فلان فمعناه على ما قال الراغب أبعد عن الخير وأصل جنبته كما قيل جعلته على جانب منه، وكثيرا ما يراد منه التبعيد ومنه ما هنا ولذا قلنا أي سيبعد عنها الأتقى.
الَّذِي يُؤْتِي مالَهُ أي يعطيه ويصرفه يَتَزَكَّى طالبا أن يكون عند الله تعالى زاكيا ناميا لا يريد به رياء ولا سمعة أو متطهرا من الذنوب فالجملة نصب على الحال من ضمير يؤتي، وجوز أن تكون بدلا من الصلة فلا محل لها من الإعراب، وجوز أيضا أن يكون الفعل وحده بدلا من الفعل السابق وحده واعترض كلا الوجهين بأن البدل من قسم التابع المعرف بكل ثان أعرب بإعراب سابقه ولا إعراب للصلة حتى يثبت لها تابع فيه. وسبب الإعراب وهو الرفع في الفعل متوفر مع قطع النظر عن التبعية وهو على المشهور تجرده عن الناصب والجازم فليس معربا بإعراب سابقه لظهور ذلك في كون إعرابه للتبعية وهو هنا ليس لها بل للتجرد. وأجيب مع الإغماض عما في ذلك التعريف مما نبّه على بعضه الرضي أما عن الأول فبأن المراد أعرب بإعراب سابقه إن كان له إعراب أو بأن المراد أعرب بإعراب سابقه وجودا وعدما وقيل إطلاق التابع على ذلك ونحوه من الحرف والفعل الغير المعرب مجاز من حيث إنه مشابه للتابع لموافقته لسابقه فيما له وأما عن الثاني فبأن الشيء قد يقصد لشيء وإن كان متحققا قبل ذلك الشيء لأمر آخر كألف التثنية وواو الجمع فإنه يؤتى بهما للدلالة على التثنية والجمع فيتحققان، ويأتي عامل الرفع على المثنى والمجموع وهما فيهما قبله فيقصدان له وقال السيد عيسى: المراد بقولهم كل ثان أعرب إلخ كل ثان أعرب لو لم يكن معربا فتدبر ولا تغفل. وجوز أن يكون يَتَزَكَّى بتقدير لأن يتزكى متعلقا بيؤتي علة له ثم حذفت اللام وحذفها من أن وأن شائع ثم حذفت أن فارتفع الفعل أو بقي منصوبا كما في قول طرفة:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغى فقد روي برفع أحضر وبنصبه وقيل إنه بتقدير لأن أو عن أن أحضر فصنع فيه نحو ما سمعت. وأيّا ما كان يدل الكلام على أن المراد بإيتائه صرفه في وجوه البر والخير.
وقرأ الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهم «يزكى» بإدغام التاء في الزاي
وَما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى استئناف مقرر لما أفاده الكلام السابق من كون إيتائه للتزكي خالصا لله تعالى أي ليس لأحد عنده نعمة من