على أنه من السجو وهو السكون مطلقا كما قال غير واحد والإسناد مجازي أو هو على تقدير المضاف كما قيل، ونحوه ما روي عن قتادة أي سكن الناس والأصوات فيه وهذا يكون في الغالب فيما بين طرفيه أو بعد مضي برهة من أوله أو ركد ظلامه من سجا البحر سكنت أمواجه. قال الأعشى:
وما ذنبنا أن جاش بحر ابن عمكم ... وبحرك ساج لا يواري الدعامصا
فالسجو قيل على هذا في الأصل سكون الأمواج ثم عم، والمراد بسكون ظلامه عدم تغيره بالاشتداد والتنزيل أي فيما يحس ويظهر وذلك إذا كمل حسا بوصول الشمس إلى سمت القدم وقبيله وبعيده. وصرح باعتبار الاشتداد ابن الأعرابي حيث قال: سجا الليل اشتد ظلامه. وأخرج ابن المنذر وغيره عن ابن جبير أنه قال: أي إذا أقبل فغطى كل شيء. وأخرج ابن جرير وابن مردويه من طريق العوفي عن ابن عباس تفسير سجا بأقبل بدون ذكر التغطية، وأخرجاهما وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضا أنه قال: سجا إذا ذهب، وكلا التفسيرين خلاف المشهور. وشاع ليل ساكن أو ساج لما لا ريح فيه ووصفه بذلك أعني السكون قيل على الحقيقة كما إذا قيل: ليل لا ريح فيه، ولا يقال إن الساكن هو الريح بالحقيقة لأن السكون عليها حقيقة محال لأنه هواء متحرك ثم إنهم يقولونه لما لا ريح فيه لا لما سكن ريحه والتحقيق أن يقال إن السكون على تفسيريه أعني عدم الحركة عما من شأنه الحركة أو كونين في حيّز واحد لا يصح على الليل لأنه زمان خاص، لكن لما كان سكون الهواء بمنزلة عدم له في العرف العامي لعدم الإحساس أو لتضمنه عدم الريح لا الهواء قيل ليل ساج وساكن. وصف الليل على الحقيقة أي لا إسناد فيه إلى غير ملائم على أنه يحتمل أن يجعل السكون بهذا المعنى حقيقة عرفية، وجوز حمل ما في الآية على هذا الشائع ولعل التقييد بذلك لأن الليل الذي لا ريح فيه أبعد عن الغوائل. وقد ذكر بعض الفقهاء أن الريح الشديدة ليلا عذر من أعذار الجماعة. ونقل عن قتادة ومقاتل أن المراد بالضحى هو الضحى الذي كلم الله تعالى فيه موسى عليه السلام، وبالليل ليلة المعراج.
ومن الناس من فسر الضحى بوجهه صلّى الله عليه وسلم بشعره عليه الصلاة والسلام كما ذكر الإمام، وقال: لا استبعاد فيه وهو كما ترى. ومثله ما قيل: الضحى ذكور أهل بيته عليه الصلاة والسلام والليل إناثهم وقال الإمام يحتمل أن يقال الضحى رسالته صلّى الله عليه وسلم والليل زمان احتباس الوحي فيه لأن في حال النزول حصل الاستئناس وفي زمان الاحتباس حصل الاستيحاش، أو الضحى نور علمه تعالى الذي يعرف المستور من الغيوب والليل عفوه تعالى الذي به يستر جميع العيوب، أو الضحى إقبال الإسلام بعد أن كان غريبا والليل إشارة إلى أنه سيعود غريبا، أو الضحى كمال العقل والليل حال الموت، أو الضحى علانيته عليه الصلاة والسلام التي لا يرى الخلق عليها عيبا والليل سره صلّى الله عليه وسلم لا يعلم عالم الغيب عليها عيبا انتهى. ولا يخفى أنه ليس من التفسير في شيء وباب التأويل والإشارة يدخل فيه أكثر من ذلك.
وتقديم الضحى على الليل بناء على ما قلنا أولا لرعاية شرفه لما فيه من ظهور زيادة النور وللنور شرف ذاتي على الظلمة لكونه وجوديا أو لكثرة منافعه أو لمناسبته لعالم الملائكة فإنها نورانية، وتقديم الليل في السورة السابقة لما فيه من الظلمة التي هي لعدميتها أصل للنور الحادث بإزالتها لأسباب حادثة، وقيل تقديمه هناك لأن السورة في أبي بكر وهو قد سبقه كفر، وتقديم الضحى هنا لأن السورة في رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو صلّى الله عليه وسلم لم يسبقه ذلك.
وتخصيصه تعالى الوقتين بالإقسام قيل ليشير سبحانه بحالهما إلى حال ما وقع له عليه الصلاة والسلام ويؤيد عز وجل نفي ما توهم فيه فكأنه تعالى يقول: الزمان ساعة فساعة ساعة ليل وساعة نهار ثم تارة تزداد ساعات الليل وتنقص ساعات النهار وأخرى بالعكس فلا الزيادة لهوى ولا النقصان لقلى بل كل لحكمة، وكذا أمر الوحي مرة إنزال وأخرى حبس فلا كان الإنزال عن هوى ولا الحبس عن قلى بل كل لحكمة. وقيل ليسلّي عز وجل بحالهما حبيبه عليه