الراغب القلى شدة البغض يقال: قلاه يقلوه ويقليه فمن جعله من الواوي فهو من القلو أي الرمي من قولهم:
قلت الناقة براكبها قلوا وقلوت بالقلة فكان المقلو هو الذي يقذفه القلب من بغضه فلا يقبله، ومن جعله من اليائي فمن قليت البسر والسويق على المقلاة انتهى وبينهما مخالفة لا تخفى. وعلى اعتبار شدة البغض فالظاهر أن ذلك في الآية ليس إلّا لأنه الواقع في كلامهم قال المفسرون: أبطأ جبريل عليه السلام على النبيّ صلّى الله عليه وسلم، فقال المشركون: قد قلاه ربه وودعه، فأنزل الله تعالى ذلك.
وأخرج الحاكم عن زيد بن أرقم قال لما نزلت تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ [المسد: ١] إلخ قيل لامرأة أبي لهب أم جميل إن محمدا صلّى الله عليه وسلم قد هجاك فأتته عليه الصلاة والسلام وهو صلّى الله عليه وسلم جالس في الملأ فقالت: يا محمد علام تهجوني؟ قال: «إني والله ما هجوتك ما هجاك إلّا الله تعالى» فقالت: هل رأيتني أحمل حطبا أو في جيدي حبلا من مسد؟ ثم انطلقت فمكث رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا ينزل عليه فأتته فقالت: ما أرى صاحبك إلّا قد ودعك وقلاك، فأنزل الله تعالى ذلك.
وأخرج الترمذي وصححه وابن أبي حاتم واللفظ له عن جندب البجلي قال: رمي صلّى الله عليه وسلم بحجر في أصبعه فقال:
ما أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت فمكث ليلتين أو ثلاثا لا يقوم فقالت له امرأة: ما أرى شيطانك إلّا قد تركك
.
وفي رواية للترمذي أيضا والإمام أحمد والبخاري ومسلم والنسائي وجماعة بلفظ: اشتكى النبي صلّى الله عليه وسلم فلم يقم ليلتين أو ثلاثا فأنزل الله تعالى وَالضُّحى وَاللَّيْلِ إِذا سَجى ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى
وليس فيه حديث المرأة ولا الحجر والرجز وذلك لا يطعن في صحته.
وقال جمع من المفسرين: إن اليهود سألوه عليه الصلاة والسلام عن أصحاب الكهف، وعن الروح، وعن قصة ذي القرنين فقال عليه الصلاة والسلام: «سأخبركم غدا» ولم يستثن فاحتبس عنه الوحي فقال المشركون ما قالوا فنزلت.
وقيل إن عثمان أهدى إليه صلّى الله عليه وسلم عنقود عنب وقيل عذق تمر فجاء سائل فأعطاه ثم اشتراه عثمان بدرهم فقدمه إليه عليه الصلاة والسلام ثانيا، ثم عاد السائل فأعطيه وهكذا ثلاث مرات فقال عليه الصلاة والسلام ملاطفا لا غضبان: «أسائل أنت يا فلان أم تاجر؟» فتأخر الوحي أياما فاستوحش فنزلت
، ولعلهم أيضا قالوا ما قالوا.
وأخرج ابن أبي شيبة في مسنده والطبراني وابن مردويه من حديث خولة وكانت تخدم رسول الله صلّى الله عليه وسلم إن جروا دخل تحت سرير رسول الله صلّى الله عليه وسلم فمات ولم نشعر به، فمكث رسول الله صلّى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي فقال: «يا خولة ما حدث في بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام جبريل لا يأتيني» فقلت: يا نبي الله ما أتى علينا يوم خير منا اليوم، فأخذ برده فلبسه وخرج فقلت في نفسي لو هيأت البيت وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فإذا بشيء ثقيل فلم أزل به حتى بدا لي الجر وميتا فأخذته بيدي فألقيته خلف الدار، فجاء النبيّ صلّى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فقال: يا خولة دثريني، فأنزل الله تعالى وَالضُّحى وَاللَّيْلِ- إلى قوله سبحانه- فَتَرْضى
وهذه الرواية تدل على أن الانقطاع كان أربعة أيام. وعن ابن جريج أنه كان اثني عشر يوما، وعن الكلبي خمسة عشر يوما وقيل بضعة عشر يوما، وعن ابن عباس خمسة وعشرين يوما، وعن السدّي ومقاتل أربعين يوما وأنت تعلم أن مثل ذلك مما يتفاوت العلم بمبدئه ولا يكاد يعلم على التحقيق إلّا منه عليه الصلاة والسلام والله تعالى أعلم. وفي بعض الروايات ما يدل على أن قائل ذلك هو النبيّ عليه الصلاة والسلام.
فعن الحسن أنه قال: أبطأ الوحي على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال لخديجة: «إن ربي ودعني وقلاني» يشكو إليها، فقالت: كلا والذي بعثك بالحق ما ابتدأك الله تعالى بهذه الكرامة إلّا وهو سبحانه يريد أن يتمها لك فنزلت
. واستشكل هذا بأنه لا يليق بالرسول