للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما هو مفتوح لأمتي بعدي فسرني» فأنزل الله تعالى وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى

ثم إن ربط الآية بما قبلها على الوجه الذي سمعت هو ما اختاره غير واحد من الأجلّة وجوز أن يقال فيه إنه لما نزل ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى حصل له عليه الصلاة والسلام به تشريف عظيم فكأنه صلّى الله عليه وسلم استعظم ذلك فقيل له وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى على معنى أن هذا التشريف وإن كان عظيما إلّا أن ما لك عند الله تعالى في الآخرة خير وأعظم. وجوز أيضا أن يكون المعنى أن انقطاع الوحي لا يجوز أن يكون لما يتوهمون لأنه عزل عن النبوة وهو مستحيل في الحكمة بل أقصى ما في الباب أن يكون ذلك لأنه حصل الاستغناء عن الرسالة وذلك أمارة الموت فكأنه تعالى قال: انقطاع الوحي متى حصل دل على الموت لكن الموت خير لك فإن ما لك عند الله تعالى في الآخرة أفضل مما لك في الدنيا، وهذا كما ترى دون ما قبله بكثير والمتبادر مما قرروه أن الجملة مستأنفة واللام فيها ابتدائية. وقد صرح جمع بأنها كذلك في قوله تعالى وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى وقالوا: فائدتها تأكيد مضمون لجملة وبعدها مبتدأ محذوف أي ولأنت سوف يعطيك إلخ وأورد عليه أن التأكيد يقتضي الاعتناء والحذف ينافيه ولذا قال ابن الحاجب: إن المبتدأ المؤكد باللام لا يحذف وإن اللام مع المبتدأ كقد مع الفعل وإن مع الاسم فكما لا يحذف الفعل والاسم ويبقيان بعد حذفهما كذلك لا يحذف المبتدأ وتبقى اللام وإنه يلزم التقدير والأصل عدمه وأن اللام لتخلص المضارع الذي في حيزها للحال كتأكيد مضمون الجملة وهو هنا مقرون بحرف التنفيس والتأخير فيلزم التنافي. وردّ بأن المؤكد الجملة لا المبتدأ وحده حتى ينافي تأكيده حذفه وكلام ابن الحاجب ليس حجة على الفارسي وأمثاله وأن يحذف معها الاسم كثيرا كما ذكره النحاة وكذا قد يحذف بعدها الفعل كقوله:

أزف الترحل غير أن ركابنا ... لما تزل برحالنا وكأن قد

مع أنه لو سلم فقد يفرق كما قال الطيبي بين أن وقد وهذه اللام بأنهما يؤثران في المدخول عليه مع التأكيد بخلاف هذه اللام فإن مقتضاها أن تؤكد مضمون الجملة لا غير وهو باق، وإن حذف المبتدأ فالقياس قياس مع الفارق والنحويون يقدرون كثيرا في الكلام كما قدروا المبتدأ في نحو قمت وأصك عينه وهو لأجل الصناعة دون المعنى كما فيما نحن فيه واللام المؤكدة لا نسلم أنها لتخليص المضارع للحال أيضا بل هي لمطلق التأكيد فقط ويفهم معها الحال بالقرينة لأنه أنسب بالتأكيد. وعلى تسليم أنها لتخليصه للحال أيضا يجوز أن يقال إنها تجردت للتأكيد هنا بقرينة ذكر سوف بعدها، والمراد تأكيد المؤخر أعني الإعطاء لا تأكيد التأخير فالمعنى أن الإعطاء كائن لا محالة وإن تأخر لحكمة وعلى تسليم أنها للأمرين ولا تجرد يجوز أن يقال نزل المستقبل أعني الإعطاء الذي يعقبه الرضا لتحقق وقوعه منزلة الواقع الحالي نظير ما قيل في قوله تعالى إِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ [النحل: ١٢٤] وقيل يحسن هذا جدا فيما نحن فيه على القول بأن الإعطاء قد شرع فيه عند نزول الآية بناء على أحد أوجهها الآتية بعد أن شاء الله تعالى، وذهب بعضهم بأن اللام الأولى للقسم وكذا هذه اللام وبقسميتها جزم غير واحد فالواو عليه للعطف فكلا الوعدين داخل في المقسم عليه، ويكون الله تعالى قد أقسم على أربعة أشياء اثنان منفيان واثنان مثبتان وهو حسن في نظري، واعترض بأن لام القسم لا تدخل على المضارع إلّا مع النون المؤكدة فلو كانت للقسم لقيل «لسوف يعطيك ربك» ولا يخفى أن هذا أحد مذهبين للنحاة والآخر أنه يستثنى ما قرن بحرف تنفيس كما هنا، ففي المغني أنه تجب اللام وتمتنع النون فيه كقوله:

<<  <  ج: ص:  >  >>