وقد قرأ بها ابن أبي إسحاق وعمرو بن ميمون وأبو رجاء. وفي البحر أنه لم يختلف في أنه جبل بالشام وتعقبه الشهاب بأنه خلاف المشهور فإن المعروف اليوم بطور سينا ما هو بقرب التيه بين مصر والعقبة. وسِينِينَ قيل اسم للبقعة التي فيها الجبل أضيف إليه الطور ويعامل في الإعراب معاملة بيرون ونحوه فيعرب بالواو والياء ويقر على الياء وتحرك النون بحركات الإعراب. وقال الأخفش سِينِينَ جمع بمعنى شجر واحدته سينة، فكأنه قيل طور الأشجار. وأخرج ابن أبي حاتم وابن المنذر وعبد بن حميد عن ابن عباس أن قال سِينِينَ هو الحسن. وأخرج عبد بن حميد نحوه عن الضحاك وكذلك أخرج هو وجماعة عن عكرمة بزيادة بلسان الحبشة. وأخرج هو أيضا وابن جرير وابن عساكر وغيرهما عن قتادة أنه قال سينين مبارك حسن ذو شجر، والإضافة على ما ذكر من إضافة الصفة إلى الموصوف. وأما التِّينِ وَالزَّيْتُونِ فروى جماعة عن قتادة أن الأول منهما الجبل الذي عليه دمشق، والثاني الجبل الذي عليه بيت المقدس. ويقال على ما أخرج سعيد بن منصور وابن أبي حاتم عن أبي حبيب الحارث بن محمد للأول طور تينا، وللثاني طور زيتا، وذلك لأنهما منبتا التين والزيتون وكان الكلام على هذا إما على حذف مضاف أو على التجوز بأن يكون قد تجوز التين والزيتون عن منبتيهما وشاع ذلك. وأخرج عبد بن حميد عن أبي عبد الله الفارسي أن التين مسجد دمشق والزيتون بيت المقدس، ولعل إطلاقهما عليهما لأن فيهما شجرا من جنسهما. وعن كعب الأحبار أنهما دمشق وإيلياء بلد بيت المقدس وكأن تسميتها بذلك من تسمية المحل باسم الحال فيه. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب أنهما مسجد أصحاب الكهف ومسجد إيلياء. وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أنهما مسجد نوح عليه السلام الذي بني على الجودي وبيت المقدس. وعن شهر بن حوشب أنهما الكوفة والشام وتعقب بأن الكوفة بلدة إسلامية مصرها سعد بن أبي وقاص في أيام أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه ولعله أراد الأرض التي تسمى اليوم بالكوفة فقد كانت كما في القاموس وغيره منزل نوح عليه السلام. وقال بعضهم: إن الكوفة بلد كانت قبل لكنها خربت فجددت في أيام عمر رضي الله تعالى عنه، وقيل هما جبال ما بين حلوان وهمذان وجبال الشام لأنهما منابتهما وأيّا ما كان فالمتعاطفات متناسبة في أن المراد بها أماكن مخصوصة. وقيل المراد بهما الشجران المعروفان. وأخرج ابن أبي حاتم والحاكم وصححه عن ابن عباس أن قال التِّينِ وَالزَّيْتُونِ الفاكهة التي يأكلها الناس.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وغيرهما عن مجاهد نحوه وحكاه في البحر أيضا عن إبراهيم النخعي وعطاء بن أبي رباح وجابر بن زيد ومقاتل والكلبي وعكرمة والحسن وخصهما الله تعالى على هذا القول بالإقسام بهما من بين الثمار لاختصاصهما بخواص جليلة، فإن التين فاكهة طيبة لا فضل لها وغذاء لطيف سريع الانهضام بل قيل إنه أصح الفواكه غذاء إذا أكل على الخلاء ولم يتبع بشيء وهو دواء كثير النفع يفتح السدد ويقوي الكبد ويذهب الطحال وعسر البول وهزال الكلى والخفقان والربو وعسر النفس والسعال وأوجاع الصدر وخشونة القصبة إلى غير ذلك. وعن علي الرضا بن موسى الكاظم على جدهما وعليهما السلام أنه يزيل نكهة الفم ويطول الشعر وهو أمان من الفالج.
وروى أبو ذر أنه أهدى إلى النبي صلّى الله عليه وسلم طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه:«كلوا فلو قلت إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت هذه لأن فاكهة الجنة بلا عجم فكلوها فإنها تقطع البواسير وتنفع من النقرس»
. ولم أقف للمحدثين على شيء في هذا الحديث لكن قال داود الطبيب بعد سرد نبذة من خواص التين وفي نفعه من البواسير حديث حسن، وذكر أن نفعه من النقرس إذا دق مع دقيق الشعير أو القمح أو الحلبة وذكر أنه حينئذ ينفع من الأورام الغليظة وأوجاع المفاصل وله مفردا ومركبا خواص أخرى كثيرة وكذا لشجرته كما لا يخفى على من راجع كتب الطب وما أشبه شجرته بمؤثر على نفسه وبكريم يفعل ولا يقول. وأما الزيتون فهو إدام ودواء وفاكهة فيما قيل، وقالوا إن المكلس منه لا شيء مثله