في الهضم والتسمين وتقوية الأعضاء ويكفيه فضلا دهنه الذي عم الاصطباح به في المساجد ونحوها مع ما فيه من المنافع كتحسين الألوان وتصفية الأخلاط وشد الأعصاب وكفتح السدد وإخراج الدود والإدرار وتفتيت الحصى وإصلاح الكلى شربا بالماء الحار وكقلع البياض وتقوية البصر اكتحالا إلى غير ذلك، وشجرته من الشجرة المباركة المشهود لها في التنزيل وإذا تتبعت خواص أجزائها ظهر لك أنها أجدى من تفاريق العصا.
وعن معاذ بن جبل أنه مر بشجرة زيتون فأخذ منها سواكا فاستاك به وقال: سمعت النبيّ صلّى الله عليه وسلم يقول: «نعم السواك الزيتون من الشجرة المباركة يطيب الفم ويذهب بالحفرة» . وسمعته عليه الصلاة والسلام يقول:«هو سواكي وسواك الأنبياء عليهم السلام قبلي» .
وقال بعضهم: إن تفسيرهما بما ذكر هو الصحيح وكأن المراد عليه تين تلك الأماكن المقدسة وزيتونها، والغرض من القسم بتلك الأشياء الإبانة عن شرف البقاع المباركة وما ظهر فيها من الخير والبركة، ويرجع إلى القسم بالأرض المباركة وبالبلد الأمين، وفيه رمز إلى فضل البلد كما يشعر به كلام صاحب الكشاف وبيّن ذلك في الكشف بقوله:
وذلك أنه فصل بركتي الأرض المقدسة الدنيوية والدينية بذكر الشجرتين أو تمرتيهما، والطور الذي نودي منه موسى عليه السلام وناب المجموع مناب والأرض المباركة على سبيل الكناية، فظهر التناسب في العطف على وجه بين إذ عطف البلد على مجموع الثلاثة لأنها كالفرد بهذا الاعتبار كأنه قيل: والأرض التي باركنا فيها دينا ودنيا، والبلد الآمن من دخله في الدارين وذلك بركة يتضاءل دونها كل بركة، ويتضمن ذلك أن شرف تلك البقاع بمناجاة موسى عليه السلام ربه عز وجل أياما معدودة، وكم نوجيت في البلد الأمين ثم قال: والحمل على الظاهر أريد (١) المنابت أو الشجر أن يفوته المناسبة بين الأولين والبلد الأمين لأن مناسبة طور سينين للبلد غير مناسبته لهما، والكلام مسوق للأول انتهى فتأمل فإنه دقيق. وأيّا ما كان فجواب القسم قوله تعالى لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ إلخ وأريد بالإنسان الجنس فهو شامل للمؤمن والكافر لا مخصوص بالثاني، واستدل عليه بصحة الاستثناء وأن الأصل فيه الاتصال. وقوله تعالى فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ في موضع الحال من الإنسان أي كائنا في تقويم أحسن تقويم والتقويم التثقيف والتعديل وهو فعل الله عز وجل، فمعنى كون الإنسان كائنا في ذلك على ما قيل إنه ملتبس به نظير قولك فلان في رضا زيد بمعنى أنه مرضي عنه. وقال الخفاجي: هو مؤول بمعنى القوام أو المقوم، وفيه مضاف مقدر أي قوام أحسن تقويم أو في زائدة وما بعدها في موضع المفعول المطلق وقد ناب فيه عن المصدر صفته. والتقدير قومناه تقويما أحسن تقويم والمراد بذلك جعله على أحسن ما يكون صورة ومعنى فيشمل ما له من انتصاب القامة وحسن الصورة والإحساس وجودة العقل وغير ذلك. ومن أمعن نظره في أمره وأجال فكره في دقائق ظاهره وسره رآه كما قال بعض الأجلّة مجمع الغيب والشهادة ومطلع نيري فلكي الإفادة والاستفادة والنسخة الجامعة لما في رسائل إخوان الصفا وسائر المتون والشارح بطور طروس العجائب الإلهية المودعة فيه لما كان وسيكون وظهر له صدق ما قيل ونسب لعلي كرم الله تعالى وجهه:
دواؤك فيك ولا تشعر ... وداؤك منك وما تبصر
وتزعم أنك جرم صغير ... وفيك انطوى العالم الأكبر
ومما يدل على أحسنية تقويمه أن الله تعالى رسم فيه من الصفات ما تذكره صفاته عز وجل وتدلّه عليها فجعله عالما مريدا قادرا إلى غير ذلك.
وقال تعالى:«تخلقوا بأخلاق الله لئلا يتوهم أن ما للسيد على العبد حرام» .
ويكفي في هذا الباب وهو القول الفصل أن الله تعالى خلقه بيديه وأمر سبحانه ملائكته عليهم السلام بالسجود له وهم المكرمون
(١) قوله والحمل على إلخ كذا في النسخ ولعله على الظاهر إذا أريد أو حيث اه.