وهي تأبى احتمال عود الضمير على آدم على معنى خلقه غير متنقل في الأطوار كبنيه ولكونه النسخة الجامعة. قال يحيى بن معاذ الرازي: من عرف نفسه فقد عرف ربه. والناس يزعمونه حديثا وليس كما قال النووي بثابت. وعن يحيى بن أكثم وبعض الحنفية أنهما أفتيا من قال لزوجته: إن لم تكوني أحسن من القمر فأنت طالق بعدم وقوع الطلاق، واستدلا بهذه الآية في قصة مشهورة. وللشعراء في تفضيل معشوقهم على القمر ليلة تمه ما يضيق عنه نطاق الحصر والحق أن الفرق مثل الصبح ظاهر. وثم في قوله تعالى ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ للتراخي الزماني أو الرتبي والرد إما بمعنى الجعل فينصب مفعولين أصلهما المبتدأ والخبر كما في قوله:
فرد شعورهن السود بيضا ... ورد وجوههن البيض سودا
فأسفل مفعول ثان له هنا والمعنى ثم جعلناه من أهل النار الذين هم أقبح من كل قبيح، وأسفل من كل سافل خلقا وتركيبا لعدم جريه على موجب ما خلقناه عليه من الصفات. وجوز أن يكون المراد بالرد تغيير الحال فهو متعد لواحدة. وأَسْفَلَ حال من المفعول أي رددناه حال كونه أقبح من قبح صورة وأشوهه خلقة وهم أصحاب النار، وأن يكون الرد بمعناه المعروف وأَسْفَلَ منصوب بنزع الخافض وجعل الأسفل عليه صفة لمكان. وأريد بالسافلين الأمكنة السافلة أي رددناه إلى مكان أسفل الأمكنة السافلة وهو جهنم أو الدرك الأسفل من النار، ويعكر على هذا جمعها جمع العقلاء وكونه للفاصلة أو التنزيل منزلة العقلاء ليس مما يهتش له. ولعل الأولى على ذلك أن يراد إلى أسفل من سفل من أهل الدركات. وقال عكرمة والضحاك والنخعي وقتادة في رواية: المراد بذلك رده إلى الهرم وضعف القوى الظاهرة والباطنة أي ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل في حسن الصورة والشكل حيث نكسناه في خلقه فقوس ظهره بعد اعتداله، وابيض شعره بعد سواده، وتشنن جلده وكان بضا، وكلّ سمعه وبصره وكانا حديدين، وتغير كل شيء منه فمشيه دليف وصوته خفات وقوته ضعف وشهامته خرف. والآية على هذا نظير قوله تعالى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ [النحل: ٧٠، الحج: ٥] وقوله سبحانه وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ [يس: ٦٨] وهو باعتبار الجنس فلا يلزم أن يكون كل الإنسان. كذلك. وفي إعراب أَسْفَلَ قيل الأوجه السابقة والأوجه منه غير خفي ثم المتبادر من السياق الإشارة إلى حال الكافر يوم القيامة وأنه يكون على أقبح صورة وأبشعها بعد أن كان على أحسن صورة وأبدعها لعدم شكره تلك النعمة، وعمله بموجبها وإرادة ما ذكر لا يلائمه ومن هنا قيل: إنه خلاف الظاهر والظاهر ما لاءم ذلك كما هو المروي عن الحسن ومجاهد وأبي العالية وابن زيد وقتادة أيضا.
وقرأ عبد الله «السافلين» مقرونا بأل.
وقوله تعالى إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ على ما تقدم استثناء متصل من ضمير رددناه العائد على الإنسان فإنه في معنى الجمع فالمؤمنون لا يردون أسفل سافلين يوم القيامة ولا تقبح صورهم بل يزدادون بهجة إلى بهجتهم وحسنا إلى حسنهم. وقوله تعالى فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ أي غير مقطوع أو غير ممنون به عليهم مقرر لما يفيده الاستثناء من خروجهم عن حكم الردّ ومبين لكيفية حالهم وعلى الأخير الاستثناء منقطع والموصول مبتدأ وجملة لهم أَجْرٌ خبره والفاء لتضمن المبتدأ معنى الشرط والكلام على معنى الاستدراك كأنه قيل: لكن الذين آمنوا لهم أجر إلخ. وهو لدفع ما يتوهم من أن التساوي في أرذل العمر يقتضي التساوي في غيره فلا يرد أنه كيف يكون منقطعا، والمؤمنون داخلون في المردودين إلى أرذل العمر غير مخالفين لغيرهم