إلخ أرأيت إن صار على الهدى واشتغل بأمر نفسه، أما كان يليق به ذلك إذ هو رجل عاقل ذو ثروة، فلو اختار الرأي الصائب والاهتداء والأمر بالتقوى أما كان ذلك خيرا له من الكفر بالله تعالى والنهي عن خدمته سبحانه وطاعته عز وجل؟ كأنه تعالى يقول: تلهف عليه كيف فوت على نفسه المراتب العلية وقنع بالمراتب الردية.
واعتبر عصام الدين هذه الجملة توبيخا على تفويت ما ينفع وما بعدها توبيخا على كسب ما يضر فقال: إن قوله تعالى أَرَأَيْتَ الَّذِي إلخ استشهاد لطغيان الإنسان إن رآه مستغنيا والرؤية بمعنى الإبصار، أي أشاهدت الذي ينهى عبدا إذا صلى وعرفت طغيان الإنسان المستغني وأنه لا يكفي بكفرانه ويتجاوز إلى تكليف العبد الذي أرسل للمنع عن الكفران بالكفران. وقوله سبحانه أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ إلخ توبيخ له على فوت ما لا يعلم كنهه بفوت الهدى والأمر بالتقوى، يعني أعلمت أنه على أي فور إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى وقوله عز وجل أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ إلخ توبيخ له بما كسب من استحقاق العذاب والبعد عن رب الأرباب أي أعلمت أنه على أي عقوبة ومؤاخذة. وقوله تعالى أَلَمْ يَعْلَمْ إلخ تهديد ووعيد شديد بعد التوبيخ على كسب حال الشقي وفوت حال السعيد انتهى. وهو كما ترى فتأمل جميع ما تقدم والله تعالى بمراده أعلم. ثم إن الآية وإن نزلت في أبي جهل عليه اللعنة لكن كل من نهى عن الصلاة ومنع منها فهو شريكه في الوعيد ولا يلزم على ذلك المنع عن النهي عن الصلاة في الدار المغصوبة والأوقات المكروهة لأن المنهي عنه في الحقيقة ليس عن الصلاة نفسها بل عن وصفها المقارن وأشهد الاحتياط تحاشي بعضهم عن النهي مطلقا
فروي عن أمير المؤمنين كرم الله تعالى وجهه أنه رأى في المصلى أقواما يصلون قبل صلاة العيد، فقال: ما رأيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يفعل ذلك، فقيل له رضي الله تعالى عنه: ألا تنهاهم؟ فقال رضي الله تعالى عنه: أخشى أن أدخل تحت وعيد قوله تعالى أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى عَبْداً إِذا صَلَّى وفي رواية لا أحب أن أنهى عبدا إذا صلى، ولكن أحدثهم بما رأيت من رسول الله صلّى الله عليه وسلم
وقد سلك نحو هذا المسلك أبو حنيفة عليه الرحمة فقد روي أن أبا يوسف قال له:
أيقول المصلي حين يرفع رأسه من الركوع اللهم اغفر لي؟ فقال: يقول ربنا لك الحمد ويسجد. ولم يصرح بالنهي ويقاس على النهي عن الصلاة النهي عن غيرها من أنواع العبادة، ولا فرق بين النهي القالي والنهي الحالي، ومنه أن يشغل المرء المرء عن ذلك وقد ابتلي به كثير من الناس.
كَلَّا ردع للناهي اللعين وزجر له. واللام في قوله تعالى لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ موطئة للقسم أي والله لئن لم ينته عما هو عليه ولم ينزجر لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ أي لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار يوم القيامة والسفع قال المبرد الجذب بشدة وسفع بناصية فرسه جذب. قال عمرو بن معد يكرب:
قوم إذ كثر الصياح رأيتهم ... ما بين ملجم مهره أو سافع
وقال مؤرج: السفع الأخذ بلغة قريش. والناصية شعر الجبهة وتطلق على مكان الشعر وأل فيها للعهد، واكتفي بها عن الإضافة وهو معنى كونها عوضا عن المضاف إليه في مثله والكلام كناية عن سحبه إلى النار وقول أبي حيان إنه عبر بالناصية عن جميع الشخص لا يخفى ما فيه وقيل: المراد لنسحبنه على وجهه في الدنيا يوم بدر وفيه بشارة بأنه تعالى يمكن المسلمين من ناصيته حتى يجروه إن لم ينته وقد فعل عز وجل
فقد روي أنه لما نزلت سورة الرحمن قال صلّى الله عليه وسلم:
«من يقرؤها على رؤساء قريش» ؟ فقام ابن مسعود وقال: أنا يا رسول الله، فلم يأذن له عليه الصلاة والسلام لضعفه وصغر جثته حتى قالها ثلاثا وفي كل مرة كان ابن مسعود يقول: أنا يا رسول الله، فأذن له صلّى الله عليه وسلم فأتاهم وهم مجتمعون حول الكعبة فشرع في القراءة فقام أبو جهل فلطمه وشق أذنه وأدماه، فرجع وعيناه تدمعان فنزل جبريل عليه السلام ضاحكا