فقال له صلّى الله عليه وسلم في ذلك، فقال عليه السلام «ستعلم» فلما كان يوم بدر قال عليه الصلاة والسلام: التمسوا أبا جهل في القتلى فرآه ابن مسعود مصروعا يخور فارتقى على صدره ففتح عينه فعرفه، فقال: لقد ارتقيت مرتقى صعبا يا رويعي الغنم، فقال ابن مسعود: الإسلام يعلو ولا يعلى عليه. فعالج قطع رأسه فقال اللعين: دونك فاقطعه بسيفي. فقطعه ولم يقدر على حمله فشق أذنه وجعل فيها خيطا وجعل يجره حتى جاء به إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فجاء جبريل عليه السلام يضحك ويقول: يا رسول الله أذن بأذن
والرأس زيادة، وكأن تخصيص الناصية بالذكر لأن اللعين كان شديد الاهتمام بترجيلها وتطييبها، أو لأن السفع بها غاية الإذلال عند العرب إذ لا يكون إلّا مع مزيد التمكن والاستيلاء ولأن عادتهم ذلك في البهائم. وقرأ محبوب وهارون كلاهما عن أبي عمرو «لنسفعنّ» بالنون الشديدة. وقرأ ابن مسعود «لأسفعن» كذلك مع إسناد الفعل إلى ضمير المتكلم وحده، وكتبت النون الخفيفة في قراءة الجمهور ألفا اعتبارا بحال الوقف فإنه يوقف عليها بالألف تشبيها لها بالتنوين وقاعدة الكتابة مبنية على حال الوقف والابتداء ومن ذلك قوله:
ومهما تشأ منه فزارة تمنعا وقوله:
يحسبه الجاهل ما لم يعلما وقوله تعالى ناصِيَةٍ بدل من الناصية وجاز إبدالها عن المعرفة وهي نكرة لأنها وصفت بقوله سبحانه كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ فاستقلت بالإفادة وقد ذكر البصريون أنه يشترط لإبدال النكرة من المعرفة الإفادة لا غير، ومذهب الكوفيين أنها تبدل منها بشرطين اتحاد اللفظ ووصف النكرة وليشمل بظاهره كل ناصية هذه صفتها وهذا مما يتأتى على سائر المذاهب، ووصف الناصية بما ذكر مع أنه صفة صاحبها للمبالغة حيث يدل على وصفه بالكذب والخطأ بطريق الأولى، ويفيد أنه لشدة كذبه وخطئه كأن كل جزء من أجزائه يكذب ويخطأ وهو كقوله تعالى تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ [النحل: ١١٦] وقولهم وجهها يصف الجمال. فالإسناد مجازي من إسناد ما للكل إلى الجزء، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وزيد بن علي «ناصية كاذبة خاطئة» بنصب الثلاثة على الشتم والكسائي في رواية برفعها أي هي ناصية إلخ فَلْيَدْعُ نادِيَهُ النادي المجلس الذي ينتدي فيه القوم أي يجتمعون للحديث ويجمع على أندية، والكلام على تقدير المضاف أي فليدع أهل ناديه أو الإسناد فيه مجازي أو أطلق اسم المحل على من حل فيه ومثله في هذا المجلس ونحوه كما قال جرير أو ذو الرمة:
لهم مجلس صهب السبال أذلة ... سواسية أحرارها وعبيدها
وقال زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل
وهذا إشارة إلى ما صح من أن أبا جهل مر برسول الله صلّى الله عليه وسلم وهو يصلي فقال: ألم أنهك فأغلظ عليه الصلاة والسلام له، فقال: أتهددني وأنا أكثر أهل الوادي ناديا والأمر على ما في البحر للتعجيز والإشارة إلى أنه لا يقدر على شيء سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ أي ملائكة العذاب ليجروه إلى النار وهو في الأصل الشرط أي أعوان الولاة. واختلف فيه فقيل جمع لا واحد له من لفظه كعباديد. وقال أبو عبيدة: واحده زبنية- بكسر فسكون- كعفرية. وقال الكسائي: واحده زبنى- بالكسر- كأنه نسب إلى الزبن- بالفتح- وهو الدفع ثم غير للنسب، وكسر أوله كإنسي وأصل الجمع زبانى فقيل زبانية بحذف إحدى ياءيه وتعويض التاء عنها. وقال عيسى بن عمر والأخفش واحده زابن والعرب قد تطلق هذا الاسم على من اشتد بطشه وإن لم يكن من أعوان الولاة ومنه