إجماع المفسرين وكأنه لم يعتد بقول من قال منهم برجوعه لجبريل عليه السلام أو غيره لضعفه، قالوا: وفي التعبير عنه بضمير الغائب مع عدم تقدم ذكره تعظيم له أي تعظيم لما أنه يشعر بأنه لعلو شأنه كأنه حاضر عند كل أحد فهو في قوة المذكور وكذا في إسناد إنزاله إلى نون العظمة مرتين وتأكيد الجملة. وأشار الزمخشري إلى إفادة الجملة اختصاص الإنزال به سبحانه بناء على أنها من باب أنا سعيت في حاجتك مما قدم فيه الفاعل المعنوي على الفعل، وتعقب بأن ما ذكروه في الضمير المنفصل دون المتصل كما في اسم إن هنا نعم الاختصاص يفهم من سياق الكلام. وفيه أنهم لم يصرحوا باشتراط ما ذكر في تفخيم وقت إنزاله بقوله تعالى وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ لما فيه من الدلالة على أن علوها خارج عن دائرة دراية الخلق لا يعلم ذلك ولا يعلم به إلّا علام الغيوب كما يشعر به قوله سبحانه لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ فإنه بيان إجمالي لشأنها أثر تشويقه عليه الصلاة والسلام إلى درايتها فإن ذلك معرب عن الوعد بادرائها. وعن سفيان بن عيينة أن كل ما في القرآن من قوله تعالى ما أَدْراكَ [الانفطار: ١٧ وغيرها] أعلم الله تعالى به نبيه صلّى الله عليه وسلم وما فيه من قوله سبحانه وَما يُدْرِيكَ [الأحزاب: ٦٣، الشورى: ١٧، عبس: ٣] لم يعلمه عز وجل به. وقد مر بيان كيفية إعراب الجملتين وفي إظهار ليلة القدر في الموضعين من تأكيد التعظيم والتفخيم ما لا يخفى. والمراد بإنزاله فيها إنزاله كله جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، فقد صح عن ابن عباس أنه قال: أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى السماء الدنيا وكان بمواقع النجوم. وكان الله تعالى ينزله على رسوله صلّى الله عليه وسلم بعضه في أثر بعض. وفي رواية بدل وكان بمواقع إلخ ثم نزل بعد ذلك في عشرين سنة، وفي رواية أخرى عنه أيضا أنزل القرآن جملة واحدة حتى وضع في بيت العزة في السماء ونزل به جبريل عليه السلام على محمد صلّى الله عليه وسلم بجواب كلام العباد وأعمالهم. وفي أخرى أنه أنزل في رمضان ليلة القدر جملة واحدة ثم أنزل على مواقع النجوم رسلا في الشهور والأيام. وكون النزول بعد في عشرين سنة قول لهم وقال بعضهم وهو الأشهر في ثلاث وعشرين. وقال آخر: في خمس وعشرين وهذا للخلاف في مدة إقامته صلّى الله عليه وسلم بمكة بعد البعث. وقال الشعبي: المراد ابتدأنا بإنزاله فيها. والمشهور أن أول ما نزل من الآيات اقْرَأْ وأنه كان نزولها بحراء نهارا.
نعم في البحر روى أن نزول الملك في حراء كان في العشر الأواخر من رمضان، فإن صح وكان المراد كان ليلا فذاك وإلّا فظاهر كلام الشعبي غير مستقيم اللهم إلّا أن يقال إنه أراد ابتداء إنزاله إلى السماء الدنيا فيها ولا يلزم أن يتحد ذلك، وابتداء إنزاله عليه صلّى الله عليه وسلم في الزمان ثم إن في أَنْزَلْناهُ على ما ذكر تجوزا في الإسناد لأنه أسند فيه ما للجزء إلى الكل أو مجازا الطرف أو تضمينا. وقيل: المراد إنزاله من اللوح إلى السماء الدنيا مفرقا في ليالي قدر على أن المراد بليلة الجنس فقد قيل إن القرآن أنزل إلى السماء الدنيا في عشرين ليلة قدر أو ثلاث وعشرين أو خمس وعشرين، وكان ينزل في كل ليلة ما يقدر الله تعالى إنزاله في كل السنة ثم ينزله سبحانه منجما في جميع السنة. وهذا القول ذكره الإمام احتمالا ونقله القرطبي كما قال ابن كثير عن مقاتل لكنه مما لا يعول عليه، والصحيح المعتمد عليه كما قال ابن حجر في شرح البخاري أنه أنزل جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا بل حكى بعضهم الإجماع عليه. نعم لا يبعد القول بأن السفرة هناك نجموه لجبريل عليه السلام في الليالي المذكورة. وأجاب السيد عيسى الصفوي بأنه محذور في ذلك بناء على جواز مثل أتكلم مخبرا به عن التكلم بقولك أتكلم، وفي ذلك اختلاف بين الدواني وغيره ذكره في رسالته التي ألفها في الجواب عن مسألة الحذر الأصم، أو يقال يرجع الضمير للقرآن باعتبار جملته وقطع النظر عن أجزائه فيخبر عن الجملة بإنّا أنزلناه وإن كان من جملته إِنَّا أَنْزَلْناهُ المندرج في جملته من غير