نظير له بخصوصه. وقد ذكروا أن الجزء من حيث هو مستقل مغاير له من حيث هو في ضمن الكل وفي الإتقان عن أبي شامة فإن قلت إنا أنزلناه إن لم يكن من جملة القرآن الذي نزل جملة فما نزل جملة، وإن كان من الجملة فما وجه هذه العبارة؟ قلت لها وجهان أحدهما أن يكون المعنى إنّا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر وقضينا به وقدّرناه في الأزل والثاني أن لفظ أنزلناه ماض ومعناه على الاستقبال أي تنزله جملة في ليلة القدر انتهى. ولم يظهر لي في كلا وجهيه رحمه الله تعالى شامة حسن فأجل في ذلك نظرا فلعلك ترى. وقيل المعنى: إنّا أنزلناه في فضل ليلة القدر أو في شأنها وحقها، فالكلام على تقدير مضاف أو الظرفية مجازية كما في قول عمر رضي الله تعالى عنه: خشيت أن ينزل فيّ قرآن، وقول عائشة رضي الله تعالى عنها: لأنا أحقر في نفسي من أن ينزل فيّ قرآن. وجعل بعضهم في ذلك للسبية والضمير قيل للقرآن بالمعنى الدائر بين الكل والجزء. وقيل بمعنى السورة ولا يأباه كون إنا أنزلناه فيها لما مر آنفا فلا حاجة إلى أن يقال المراد بها ما عدا إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وقيل: يجوز أن يراد به المجموع لاشتماله على ذلك وأيّا ما كان فحمل الآية على هذا المعنى غير معول عليه وإنما المعول عليه ما تقدم. والمراد بالإنزال إظهار القرآن من عالم الغيب إلى عالم الشهادة أو إثباته لدى السفرة هناك أو نحو ذلك مما لا يشكل نسبته إلى القرآن.
واختلفوا في تلك الليلة فقيل إنها لخبر في ذلك وهو كما قال الكرماني غلط لأن آخر الخبر يرده والمراد برفع تعيينها فيه. وعن عكرمة أنها ليلة النصف من شعبان وهو قول شاذ غريب كما في تحفة المحتاج. وظاهر ما هنا مع ظاهر قوله تعالى شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ [البقرة: ١٨٥] يرده وعن ابن مسعود أنها تنتقل في ليالي السنة فتكون في كل سنة في ليلة، ونسبه النووي إلى أبي حنيفة وصاحبيه والأكثرون على أنها في شهر رمضان. فعن ابن رزين أنها الليلة الأولى منه. وعن الحسن البصري السابعة عشرة لأن وقعة بدر كانت في صبيحتها. وحكي عن زيد بن أرقم وابن مسعود أيضا
وعن أنس مرفوعا التاسعة عشرة.
وحكي موقوفا على ابن مسعود أيضا وعن محمد بن إسحاق الحادية والعشرون لما في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري أنه عليه الصلاة والسلام قال: «قد رأيت هذه الليلة- يعني ليلة القدر- ثم نسيتها، وقد رأيتني أسجد من صبيحتها في ماء وطين»
. قال أبو سعيد: فمطرت السماء من تلك الليلة فوكف المسجد فأبصرت عيناي رسول الله على جبهته وأنفه أثر الماء والطين من صبيحة إحدى وعشرين. وفي مسلم من صبيحة ثلاث وعشرين، ومنه مع ما قبله مال الشافعي عليه الرحمة إلى أنها الليلة الحادية أو الثالثة والعشرون.
وأخرج أحمد ومسلم وغيرهما عن عبد الله بن أنيس أنه سئل عن ليلة القدر فقال: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: «التمسوها الليلة» وتلك الليلة ليلة ثلاث وعشرين.
وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وغيرهم عن بلال قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «ليلة القدر ليلة أربع وعشرين» . وفي الإتقان وغيره أنها الليلة التي أنزل فيها القرآن.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي ذر أنه سئل عن ليلة القدر فقال: كان عمر وحذيفة وناس من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم لا يشكون أنها ليلة سبع وعشرين.
وأخرج ابن نصر وابن جرير في تهذيبه عن معاوية قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «التمسوا ليلة القدر في آخر ليلة من رمضان» .
وفي رواية أحمد عن أبي هريرة مرفوعا أنه آخر ليلة.
وقيل: هي في العشر الأوسط تنتقل فيه قيل في أوتاره وقيل في أشفاعه.
وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي عن عائشة قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر من شهر رمضان» .
وفي حديث أخرجه أحمد وجماعة عن عبادة ابن الصامت مرفوعا وحديثين أخرجهما ابن جرير وغيره