وهو خلاف ما تدل عليه الآثار من عدم اختصاصهم بالمدبرات فتدبر وكأنه لذلك قيل إن مِنْ كُلِّ أَمْرٍ متعلق بقوله تعالى سَلامٌ وهو مصدر بمعنى السلامة خبر مقدم. وقوله تعالى هِيَ مبتدأ أي هي سلام من كل أمر مخوف وتعلقه بذلك على التوسع في الظرف وإلّا فمعمول المصدر لا يتقدم عليه في المشهور. وقيل:
هو متعلق بمحذوف مقدم يفسره المذكور من وقف على كلام العلامة التفتازاني في أوائل شرح التلخيص في مثل ذلك استغن عما ذكر. وقيل مِنْ كُلِّ أَمْرٍ متعلق ب تَنَزَّلُ لكن على معنى تنزل إلى الأرض منفصلة من كل أمر لها في السماء وتاركة له. وفيه إشارة إلى مزيد الاهتمام بالتنزل إلى الأرض. وفيه من البعد ما فيه.
وتقديم الخبر للحصر كما في تميمي أنا والأخبار بالمصدر للمبالغة أي ما هي إلّا سالمة جدا حتى كأنه عين السلامة قال الضحاك في معنى ذلك إنه تعالى لا يقدّر ولا يقضي فيها إلّا السلامة، قيل: أي لا ينفذ تقديره تعالى ويتعلق قضاؤه إلّا بذلك. وحاصله لا يوجد إلّا ذلك. وقال مجاهد: إنها سالمة من الشيطان وأذاه. وروي أن الشيطان لا يخرج في ليلة القدر حتى يضيء فجرها ولا يستطيع أن يصيب فيها أحدا بخبل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد ولا ينفذ فيها سحر ساحر. ولعل ما يصدر من المعاصي على هذا من النفس الأمّارة بالسوء لا بواسطة الشيطان. واستشكل كلام الضحاك بناء على ما قيل فيه بأنه لا تخلو ليلة من الشر والأمر المخوف ولا موجد إلّا الله عز وجل، فلعله أراد ما تقدم نقله غير بعيد من أن الله تعالى إنما يقدر في هذه الليلة السلامة والخير أي لا يظهر سبحانه للملائكة عليهم السلام إلّا تقديره عز وجل وقيل ما هي إلّا سلامة على نحو: ما رسول الله صلّى الله عليه وسلم إلّا رحمة والمراد أنها سبب تام للسلامة والنجاة من المهالك يوم القيامة حيث إن من قامها إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه. وقيل السلام مصدر بمعنى التسليم أي ما هي إلّا تسليم لكثرة التسليم والمسلمين من الملائكة على المؤمنين فيها. وروي ذلك عن الشعبي ومنصور وجعلها عين التسليم للمبالغة أيضا.
وقوله تعالى حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ غاية تبين تعميم السلامة أو التسليم كل الليلة فالجار متعلق ب سَلامٌ ومَطْلَعِ اسم زمان وقد صرحوا أنه من يفعل، ويفعل بفتح العين وضمها على مفعل مفتوح العين وجوز كونه مصدرا ميميا بمعنى الطلوع ويحتاج إلى تقدير مضاف قبله هو وقت أو ما في معناه لتتحد الغاية والمغيا فيكونان من جنس واحد. وصح تعلق الجار بذلك مع الفصل لأنه ليس بمصدر نظرا للحقيقة. وأفاد الطبرسي وغيره أنه لا بد من تأويله بسالمة أو مسلمة ليصح التعلق أما لو أبقى على مصدريته فلا يصح للزوم الفصل بين الصلة والموصول. وذهب بعضهم إلى أن الفصل بين المصدر ومعموله بالمبتدأ مغتفر، وجوز أن تتعلق الغاية بتنزل على معنى أنه لا ينقطع تنزلهم فوجا بعد فوج إلى وقت طلوع الفجر، وتعقب بأنه تعسف لأن سَلامٌ هي أجنبي وليس باعتراض فلا يحسن الفصل به وجعله حالا من الضمير المجرور في قوله تعالى فِيها أي ذات سلامة أو سلام لا يخفى حاله. وقيل يجوز أن يكون الوقف على سَلامٌ وهو خبر لمحذوف ومِنْ كُلِّ أَمْرٍ متعلق به وهِيَ مبتدأ وحَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ خبره. ولم يجوز ذلك الطيبي والطبرسي وغيرهما قالوا: لعدم الفائدة بالأخبار عنها بأنها حتى مطلع الفجر إذ كل ليلة بهذه الصفة. وأجيب بأنه لما أخبر عنها بأنها خير من ألف شهر وفهم أنها مخالفة لسائر الليالي في الصفة وكان ذلك مظنة توهم أن ذاتها في المقدار مغايرة لذوات الليالي فيه أيضا دفع ذلك بقوله تعالى هي حتى مطلع الفجر، أي لم تخالف سائر الليالي في ذلك وإن خالفتها في الفضل والخيرية.