به على فعيل للمبالغة وأن اللام في لِحُبِّ للتقوية وفيه ما فيه. وقيل يجوز أن يعتبر أن شديدا صفة مشبهة كانت مضافة إلى مرفوعها وهو حب المضاف إلى الخير إضافة المصدر إلى مفعوله ثم حول الاسناد وانتصب المرفوع على التشبيه بالمفعول به، ثم قدم وجر باللام وفيه مع قطع النظر عن التكلف أن تقدم معمول الصفة عليها لا يجوز وكونه مجرورا في مثل ذلك لا يجدي نفعا إذ ليس هو فيه نحو زيد بك فرح كما لا يخفى.
ويفهم من كلام الزمخشري في الكشاف جواز أن يراد به ما هو عنده تعالى من الطاعات على أن المعنى إنه لحب الخيرات غير هش منبسط ولكنه شديد منقبض. وقوله تعالى أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ إلخ تهديد ووعيد والهمزة للإنكار والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام ومفعول يعلم محذوف وهو العامل في إذا وهي ظرفية أي أيفعل ما يفعل من القبائح أو ألا يلاحظ فلا يعلم الآن مآله إذا بعثر من في القبور من الموتى وإيراد ما لكونهم إذ ذاك بمعزل من رتبة العقلاء. وقال الحوفي: العامل في إِذا الظرفية يَعْلَمُ وأورد عليه أنه لا يراد منه العلم في ذلك الوقت بل العلم في الدنيا. وأجيب بأن هذا إنما يرد إذا كان ضمير يَعْلَمُ راجعا إلى الإنسان وذلك غير لازم على هذا القول لجواز أن يرجع إليه عز وجل ويكون مفعولا يعلم محذوفين.
والتقدير أفلا يعلمهم الله تعالى عاملين بما عملوا إذا بعثر على أن يكون العلم كناية عن المجازاة والمعنى أفلا يجازيهم إذا بعثر ويكون الجملة المؤكدة بعد تحقيقا وتقريرا لهذا المعنى وهو كما ترى. وقيل: إن إذا مفعول به ليعلم على معنى أفلا يعلم ذلك الوقت ويعرف تحققه وقل إن العالم فيها بعثر بناء على أنها شرطية غير مضافة قالوا: ولم يجوز أن يعمل فيها لخبير لأن ما بعد إن لا يعمل فيما قبلها وأوجه الأوجه ما قدمناه وتعدي العلم إذا كان بمعنى المعرفة لواحد شائع وتقدم تحقيق معنى البعثرة فتذكر. وقرأ عبد الله «بحثر» بالحاء والثاء المثلثة. وقرأ الأسود بن زيد «بحث» بهما. بدون راء وقرأ نصر بن عاصم «بحثر» كقراءة عبد الله لكن بالبناء للفاعل. وَحُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ أي جمع ما في القلوب من العزائم المصممة وأظهر كإظهار اللب من القشر وجمعه أو ميّز خيره من شره فقد استعمل حصل الشيء بمعنى ميزه من غيره كما في البحر. وأصل التحصيل إخراج اللب من القشر كإخراج الذهب من حجر المعدن والبر من التبن وتخصيص ما في القلوب لأنه الأصل لأعمال الجوارح ولذا كانت الأعمال بالنيات وكان أول الفكر آخر العمل فجميع ما عمل تابع له فيدل على الجميع صريحا وكناية. وقرأ ابن يعمر ونصر بن عاصم ومحمد بن أبي معدان «وحصّل» مبنيا للفاعل وهو ضميره عز وجل. وقرأ ابن يعمر ونصر أيضا «حصل» مبنيا للفاعل خفيف الصاد فما عليه هو الفاعل إِنَّ رَبَّهُمْ أي المبعوثين كنى عنهم بعد الإحياء الثاني بضمير العقلاء بعد ما عبّر عنهم قبل ذلك بما بناء تفاوتهم في الحالين بِهِمْ بذواتهم وصفاتهم وأحوالهم بتفاصيلها يَوْمَئِذٍ أي يوم إذ يكون ما عدّ من بعث ما في القبور وتحصيل ما في الصدور والظرفان متعلقان بقوله تعالى لَخَبِيرٌ أي عالم بظواهر ما عملوا وبواطنه علما موجبا للجزاء متصلا به كما ينبىء عنه تقييده بذلك اليوم وإلّا فمطلق علمه عز وجل بما كان وما سيكون. وقرأ أبو السمال والحجاج «أن ربهم بهم يومئذ خبير» بفتح همزة أن وإسقاط لام التأكيد فأن وما بعدها في تأويل مصدر معمول ليعلم على ما استظهره بعضهم، وأيد به كون يعلم معلقة عن العمل في أن ربهم إلخ على قراءة الجمهور لمكان اللام وإذا على هذا لا يجوز تعلقها بخبير أيضا لكونه في صفة أن المصدرية فلا يتقدم معموله عليها. ويعلم أمره مما تقدم وقيل الكلام على تقدير لام التعليل وهي متعلقة بحصل كأنه قيل وحصل ما في الصدور لأن ربهم بهم يومئذ خبير والأول أظهر والله تعالى أعلم وأخبر.