بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ أي إعانته تعالى وإظهاره إياك على عدوك وهذا معنى النصر المعدى بعلى، وفسر به لأنه أوفق بقوله تعالى وَالْفَتْحُ وجوز أن يراد به المعدى بمن ومعناه الحفظ والفتح يتضمن النصر بالمعنى الأول فحينئذ يكون الكلام مشتملا على إفادة النصرين والأول هو الظاهر. وإِذا منصوب بسبح والفاء غير مانعة على ما عليه الجمهور في مثل ذلك وأبو حيان على أنها معمولة للفعل بعدها وليست مضافة إليه وسيأتي إن شاء الله تعالى قول آخر. والمراد بهذا النصر ما كان في أمر مكة من غلبته عليه الصلاة والسلام على قريش، وذكر النقاش عن ابن عباس أن النصر هو صلح الحديبية وكان في آخر سنة ست، وأما الفتح فقد أخرج جماعة عنه وعن عائشة أن المراد به فتح مكة وروي ذلك عن مجاهد وغيره وصححه الجمهور وكان في السنة الثامنة، وقال ابن شهاب: لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان على رأس ثمان سنين ونصف من الهجرة. وخرج عليه الصلاة والسلام على ما أخرجه أحمد بسند صحيح عن أبي سعيد لليلتين خلتا من شهر رمضان، وفي رواية أخرى عن أحمد لثمان عشرة، وفي أخرى لثنتي عشرة وعند مسلم لست عشرة. وقال الواقدي خرج صلّى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لعشر خلون من رمضان بعد العصر، وضعفه القسطلاني وكان المسلمون في تلك الغزوة عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار وطوائف من العرب. وفي الإكليل اثني عشر ألفا وجمع بأن العشرة خرج بها عليه الصلاة والسلام من المدينة ثم تلاحق الألفان، والأولى أن يحمل النصر على ما كان مع الفتح المذكور فإن كانت السورة الكريمة نازلة قبل ذلك فالأمر ظاهر وتتضمن الإعلام بذلك قبل كونه وهو من أعلام النبوة، وإذا كانت نازلة بعده فقال الماتريدي في التأويلات: إن إِذا بمعنى إذ التي للماضي، ومجيئها بهذا المعنى كثير في القرآن وعليه تكون متعلقة بمقدر ككمل الأمر أو أتم النعمة على العباد أو نحو ذلك لا بسبح لأن الكلام حينئذ نحو أضرب زيدا أمس. وقال بعض الأجلّة: هي لما يستقبل كما هو الأكثر في استعمالها، وحينئذ لم يكن بد من أن يجعل شيء من ذلك مستقبلا مترقيا باعتبار أن فتح مكة كان أم الفتوح والدستور لما يكون من بعده فهو مترقب باعتبار ما يدل عليه، وإن كان متحققا باعتباره في نفسه وجوز أن يكون الاستقبال باعتبار مجموع ما في حيّز إِذا فمنه ما هو مستقبل وهو ما تضمنه قوله سبحانه وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً ولو باعتبار آخر داخل وهو مما لا بأس به إن لم يكن النزول بعد تمام الدخول. وقيل: المراد جنس نصر الله تعالى لرسوله عليه الصلاة والسلام والمؤمنين وجنس الفتح فيعم ما كان في أمر مكة زادها الله تعالى شرفا وغيره وأمر الاستقبال عليه ظاهر، وأيّا ما كان فالمراد بالمجيء الحصول وهو حقيقة فيه على ما يقتضيه ظاهر كلام الراغب. وقال القاضي: مجاز، والظاهر أن الخطاب في رَأَيْتَ للنبيّ عليه الصلاة والسلام والرؤية بصرية أو علمية متعدية لمفعولين، والنَّاسَ العرب ودِينِ اللَّهِ ملة الإسلام التي لا دين له تعالى يضاف إليه غيرها، والأفواج جمع فوج وهو على ما قال الراغب: الجماعة المارة المسرعة ويراد به مطلق الجماعة. قال الحوفي: وقياس جمعه أفوج ولكن استثقلت الضمة على الواو فعدل إلى أفواج. وفي البحر قياس فعل صحيح العين أن يجمع على أفعل لا على أفعال ومعتل العين بالعكس فالقياس فيه أفعال كحوض وأحواض، وشذ فيه أفعل كثوب وأثوب. ونصب أَفْواجاً على الحال من ضمير يَدْخُلُونَ وأما جملة يَدْخُلُونَ فهي حال من الناس على الاحتمال الأول في الرؤية ومعفول ثان على الاحتمال الثاني فيها، وكونها حالا أيضا بجعل رأيت بمعنى عرفت كما قال الزمخشري تعقبه أبو حيان بقوله: لا نعلم أن رأيت جاءت بمعنى عرفت، فيحتاج في ذلك إلى استثبات والمراد بدخول الناس في دينه تعالى أفواجا أي جماعات كثيرة إسلامهم من غير قتال وقد كان ذلك بين فتح مكة وموته عليه الصلاة والسلام، وكانوا قبل الفتح يدخلون فيه واحدا واحدا واثنين اثنين. أخرج البخاري عن عمرو بن سلمة قال: لما
كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة فيقولون دعوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي.