وعن الحسن قال: لما فتح رسول الله صلّى الله عليه وسلم مكة قالت الأعراب: أما إذا ظفر بأهل مكة وقد أجارهم الله تعالى من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان، فدخلوا في دين الله تعالى أفواجا. وقال أبو عمر بن عبد البر: لم يتوقف رسول الله صلّى الله عليه وسلم وفي العرب رجل كافر بل دخل الكل في الإسلام بعد حنين والطائف منهم من قدم، ومنهم من قد وافده وتأول ذلك ابن عطية فقال: المراد والله تعالى أعلم العرب عبدة الأوثان فإن نصارى بني تغلب ما أراهم أسلموا في حياة رسول الله صلّى الله عليه وسلم ولكن أعطوا الجزية. ونص بعضهم على أنهم لم يسلموا إذ ذاك فالمراد بالناس عبدة الأوثان من العرب كأهل مكة والطائف واليمن وهوازن ونحوهم. وقال عكرمة ومقاتل: المراد بالناس أهل اليمن وفد منهم سبعمائة رجل وأسلموا واحتج له بما
أخرجه ابن جرير من طريق الحصين بن عيسى عن معمر عن الزهري عن أبي حازم عن ابن عباس قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال: «الله أكبر الله أكبر جاء نصر الله والفتح وجاء أهل اليمن» قيل: يا رسول الله وما أهل اليمن؟ قال «قوم رقيقة قلوبهم لينة طاعتهم الإيمان والفقه يمان والحكمة يمانية»
وأخرج أيضا من طريق عبد الأعلى عن معمر عن عكرمة مرسلا.
وقوله عليه الصلاة والسلام «الايمان يمان»
جاء في حديث أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ «أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا، الإيمان يمان والحكمة يمانية» فقيل: قال صلّى الله عليه وسلم ذلك
لأن مكة يمانية ومنها بعث صلّى الله عليه وسلم وفشا الإيمان. وقيل أراد عليه الصلاة والسلام مدح الأنصار لأنهم يمانون وقد تبوءوا الدار والإيمان. وقول ابن عباس في الخبر في المدينة يعارض قول من قال إن ذلك إنما قاله صلّى الله عليه وسلم بتبوك وكان بينه وبين اليمن مكة والمدينة وهما دارا الإيمان ومظهراه ويحتمل تكرار القول، والظاهر أنه ثناء على أهل اليمن لإسراعهم إلى الإيمان وقبولهم له بلا سيف، ويشمل الأنصار من أهل اليمن وغيرهم، فكأن الإيمان كان في سنخ قلوبهم فقبلوه كما أنهى إليهم كمن يجد ضالته ومثله في الثناء عليهم
قوله عليه الصلاة والسلام: «أجد نفس ربكم من قبل اليمن»
. وقال عصام الدين: يحتمل أن يكون الخطاب في رَأَيْتَ النَّاسَ عاما لكل مؤمن ثم قال: وما يختلج في القلب أن المناسب بقوله تعالى يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً أن يحمل قوله سبحانه وَالْفَتْحُ على فتح باب الدين عليهم انتهى. وكلا الأمرين كما ترى. وقرأ ابن عباس كما أخرج أبو عبيدة وابن المنذر عنه «إذا جاء فتح الله والنصر» وقرأ ابن كثير في رواية يَدْخُلُونَ بالبناء للمفعول.
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ أي فنزهه تعالى بكل ذكر يدل على التنزيه حامدا له جل وعلا زيادة في عبادته والثناء عليه سبحانه لزيادة إنعامه سبحانه عليك، فالتسبيح التنزيه لا التلفظ بكلمة سبحان الله، والباء للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال والحمد مضاف إلى المفعول. والمعنى على الجمع بين تسبيحه تعالى وهو تنزيهه سبحانه عما لا يليق به عز وجل من النقائص وتحميده وهو إثبات ما يليق به تعالى من المحامد له لعظم ما أنعم سبحانه به عليه عليه الصلاة والسلام. وقيل: أي نزهه تعالى عن العجز في تأخير ظهور الفتح وأحمده على التأخير، وصفه تعالى بأن توقيت الأمور من عنده ليس إلا لحمكة لا يعرفها إلّا هو عز وجل وهو كما ترى، وأيّد ذلك بما
في الصحيحين عن مسروق عن عائشة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي»
يتأول القرآن تعني هذا مع قوله تعالى وَاسْتَغْفِرْهُ أي اطلب منه أن يغفر لك وكذا بما
في مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم عن عائشة أيضا قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قول: «سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه» وقال: «إن ربي أخبرني أن سأرى علامة في أمتي وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره»
إلخ.
وروى ابن جرير من طريق حفص بن عاصم عن الشعبي عن أم سلمة قالت: كان رسول الله صلّى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلّا قال: «سبحان الله وبحمده» قال: «إني أمرت بها» وقرأ السورة
وهو غريب.
وفي المسند عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ كان