يخلف- وياؤه منقلبة عن واو لانكسار ما قبلها، واستدل بها الوعيدية على وجوب العقاب للعاصي عليه تعالى وإلا يلزم الخلف، وأجيب عنه بأن وعيد الفساق مشروط بعدم العفو بدلائل منفصلة كما هو مشروط بعدم التوبة وفاقا، وقيل: هو إنشاء فلا يلزم محذور في تخلفه، وقيل: ما في الآية ليس محلا للنزاع لأن الميعاد فيه مصدر بمعنى الوعد ولا يلزم من عدم خلف الوعد عدم خلف الوعيد لأن الأول مقتضى الكرم كما قال:
وإني إذا أوعدته أو وعدته ... لمخلف إيعادي ومنجز موعدي
واعترض بأن الوعيد الذي هو محل النزاع داخل تحت الوعد بدليل قوله تعالى: قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا [الأعراف: ٤٤] وأجيب بأنا لا نسلم الدخول والآية من باب التهكم فهي على حد فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ [آل عمران: ٢١] واعترض أيضا بأن كون- الخلف في الإيعاد- مقتضى الكرم لا يجوز الخلف على الله تعالى لأنه يلزم حينئذ صحة أن يسمى الله تعالى مكذب نفسه وهو مما لا يقدم عليه أحد من المسلمين، وأجيب عنه بما تركه أصوب من ذكره فالحق الرجوع إلى الجواب الأول.
هذا «ومن باب الإشارة في الآيات» الم تقدم الكلام عليه، وذكر بعض ساداتنا فيه أنه أشير به إلى كل الوجود من حيث هو كل لأن أإشارة إلى الذات الذي هو أول الوجود وهو مرتبة الإطلاق، ول إلى العقل المسمى بجبريل الذي هو وسط الوجود الذي يستفيض من المبدأ ويفيض إلى المنتهى، وم إلى محمد صلى الله تعالى عليه وسلم الذي هو آخر الوجود، وبه تتم دائرته ولهذا كان الختم. وقال بعضهم: إن ل ركبت من ألفين أي وضعت بإزاء الذات مع صفة العلم اللذين هما عالمان من العوالم الثلاثة الإلهية التي أشرنا إليها فهو اسم من أسمائه تعالى، وأما م فهي إشارة إلى الذات مع جميع الصفات والأفعال التي احتجبت بها في الصورة المحمدية التي هي اسم الله تعالى الأعظم بحيث لا يعرفها إلا من يعرفها ألا ترى أن أالتي هي لصورة الذات كيف احتجبت فيها فإن الميم فيها الياء وفي الياء ألف ولتضمن الم الإشارة إلى مراتب الوجود والحقيقة المحمدية ناسب أن تفتتح بها هذه الآيات المتضمنة للرد على النصارى الذين أخطؤوا في التوحيد ولم يعرفوه على وجهه، ولهذا أردفه سبحانه بقوله:
اللَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إذ لا موجود في سائر العوالم حقيقة إلا هو إذ لا أحد أغير من الله تعالى جل جلاله الْحَيُّ أي المتصف بالحياة الكاملة على وجه يليق بذاته الْقَيُّومُ القائم بتدبير الأعيان الثابتة بظهوره فيها حسب استعدادها الأزلي الغير المجعول نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ وهو العلم المفيد لمقام الجمع وهو التوحيد الذي تفنى فيه الكثرة ولا يشاهد فيه التعدد متلبسا بالحق وهو الثابت الذي لا يعتريه تغير في ذاته مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ من التوحيد الأول الأزلي السابق المعلوم في العهد الأول المخزون في غيب الاستعداد وَأَنْزَلَ التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ مِنْ قَبْلُ هُدىً لِلنَّاسِ إلى معالم التوحيد وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ وهو التوحيد التفصيلي الذي هو الحق باعتبار الفرق وهو منشأ الاستقامة ومبدأ الدعوة إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أي احتجبوا عن هذين التوحيدين بالمظاهر والأكوان ورؤية الأغيار ولم يؤمنوا بآيات الله تعالى الدالة على أن له سبحانه رتبة الإطلاق وله الظهور والتجلي بما شاء لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ في البعد والحرمان عن حظائر العرفان وَاللَّهُ عَزِيزٌ قاهر ذُو انْتِقامٍ شديد بمقتضى صفاته الجلالية هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ في أرحام الوجود كَيْفَ يَشاءُ لأنكم المظاهر لأسمائه والمجلى لذاته لا إِلهَ في الوجود إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ القاهر للأعيان الثابتة فلا تشم رائحة الوجود بنفسها أبدا الْحَكِيمُ الذي يظهرها بوجوده الحق ويتجلى بها حسبما تقتضيه الحكمة هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ متنوعا في الظهور مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ أحكمت من أن يتطرق إليها الاحتمال والاشتباه فلا تحتمل إلا معنى واحدا هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ والأصل وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ تحتمل معنيين