للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال سلمان: بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد رأيت شيئا ما رأيت مثله قط فالتفت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم إلى القوم فقال: رأيتم ما يقول سلمان؟ قالوا: نعم يا رسول الله قال: ضربت ضربتي الأولى فبرق لي الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور الحيرة ومدائن كسرى كأنها أنياب الكلاب فأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت الثانية فبرق لي الذي رأيتم أضاءت لي منها القصور الحمر من أرض الروم كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها ثم ضربت ضربتي الثالثة فبرق لي الذي رأيتم أضاءت لي منها قصور صنعاء كأنها أنياب الكلاب وأخبرني جبريل أن أمتي ظاهرة عليها فأبشروا فاستبشر المسلمون وقالوا: الحمد لله موعد صدق وعدنا النصر بعد الحفر فقال المنافقون: ألا تعجبون ويعدكم الباطل ويخبركم أنه يبصر من يثرب قصور الحيرة ومدائن كسرى وأنها تفتح لكم وأنتم إنما تحفرون الخندق من الفرق لا تستطيعون أن تبرزوا للقتال فأنزل الله تعالى القرآن وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُوراً [الأحزاب: ١٢] وأنزل هذه الآية قُلِ اللَّهُمَّ إلخ،

وأصل اللَّهُمَّ- يا الله- فحذفت «يا» وعوض عنها- الميم- وأوثرت لقربها من الواو التي هي حرف علة، وشددت لكونها عوضا عن حرفين وجمعها مع- يا- كما في قوله:

إني إذا ما حدث ألمّا ... أقول- (يا اللهم) - يا اللهما

شاذ، وهذا من خصائص الاسم الجليل كعدم حذف حرف النداء منه من غير ميم ودخوله عليه مع حرف التعريف وقطع همزته ودخول تاء القسم عليه واللام في القسم التعجبي نحو- لله لا يؤخر الأجل- ودخول أيمن ويمين عليه في القسم أيضا، وميم في- م الله- ووقوع همزة الاستفهام خلفا عن حرف القسم نحو الله وحرف التنبيه في نحو- لاها الله ذا- وغير ذلك فسبحانه من إله كل شأنه غريب، وزعم الكوفيون أن أصله- يا الله آمنا بخير- أي اقصدنا به فخفف بحذف حرف النداء ومتعلقات الفعل وهمزته، ويجوز الجمع عندهم بين يا- والميم بلا بأس- ولا يخفى ما فيه- ويقتضي أن لا يلي هذه الكلمة أمر دعائي آخر إلا بتكلف الإبدال من ذلك الفعل أو العطف عليه بإسقاط حرف العطف- وأل- في الملك للجنس أو الاستغراق، والْمُلْكِ بالضم على ما ذكره بعض أئمة التحقيق- نسبة بين من قام به ومن تعلق، وإن شئت قلت: صفة قائمة بذاته متعلقة بالغير تعلق التصرف التام المقتضي استغناء المتصرف وافتقار المتصرف فيه ولهذا لم يصح على الإطلاق إلا لله تعالى جده وهو أخص من الملك بالكسر لأنه تعلق باستيلاء مع ضبط وتمكن من التصرف في الموضوع اللغوي وبزيادة كونه حقا في الشرع من غير نظر إلى استغناء وافتقار- فمالك الملك- هو الملك الحقيقي المتصرف بما شاء كيف شاء إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة وتعذيبا وإثابة من غير مشارك ولا مانع، ولهذا لا يقال «ملك الملك» إلا على ضرب من التجوز، وحمل الْمُلْكِ على هذا المعنى أوفق بمقام المدح، وقيل: المراد منه النبوة وإليه ذهب مجاهد- وقيل: المال والعبيد، وقيل: الدنيا والآخرة، وانتصاب مالِكَ على الوصفية عند المبرد. والزجاج، وسيبويه يوجب كونه نداء ثانيا، ولا يجوز أن يكون صفة- لأللهم- لأنه لاتصال الميم به أشبه أسماء الأصوات وهي لا توصف، ونقض دليل سيبويه بسيبويه فإنه مع كونه فيه اسم صوت يوصف، وأجيب بأن اسم الصوت تركب معه وصار كبعض حروف الكلمة بخلاف ما نحن فيه، ومن هنا قال أبو علي: قول سيبويه عندي أصح لأنه ليس في الأسماء الموصوفة شيء على حد- اللهم- ولذلك خالف سائر الأسماء ودخل في حيز ما لا يوصف نحو حيهل فإنهما صارا بمنزلة صوت مضموم إلى اسم فلم يوصف- والعلامة التفتازاني على هذا- وأيد أيضا بأن وقوع خلف حرف النداء بين الموصوف والصفة كوقوع حرف النداء بينهما فلو جاز الوصف لكان مكان الخلف بعده تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ جملة مستأنفة مبينة لبعض وجوه التصرف الذي يستدعيه مالكية

<<  <  ج: ص:  >  >>