الْمُلْكِ وجوز جعلها حالا من المنادى وفي انتصاب الحال عنه خلاف، وصحح الجواز لأنه مفعول به، والحال تأتي منه كما تأتي من الفاعل، وجعل الجملة خبرا لمبتدأ محذوف أي أنت تؤتي- وإن اختاره أبو البقاء- ليس فيه كثير نفع وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ عطف على تُؤْتِي وحكمة حكمه، ومفعول تَشاءُ في الموضعين محذوف أي من تشاء إيتاءه إياه ممن تشاء نزعه منه، والْمُلْكِ الثالث هو الثاني واللام فيهما للجنس. أو العهد وليسا هما عين الأول لأن الأول عند المحققين حقيقي عام ومملوكيته حقيقية والآخران مجازيان خاصان ونسبتهما إلى صاحبهما مجازية، واعتبر بعضهم في التفرقة كون المراد من الأول الجميع ومن الآخرين البعض ضرورة أن المؤتي لا يمكن أن يكون الجميع والمنزع هو ذاك لأنه معرفة معادة، ويراد بها إن لم يمنع مانع عن الأول ولأنه إذا لم يمكن إيتاء الكل لم يمكن نزع الكل لأن الثاني مسبوق بالأول.
ومن الناس من حمل الْمُلْكِ هنا على النبوة ومعنى نزعها هنا نقلها من قوم إلى قوم أي تؤتي النبوة بني إسرائيل وتنقلها منهم إلى العرب، وقيل: المعنى تعطي أسباب الدنيا محمدا صلّى الله عليه وسلم وأمته وتسلبها من الروم وفارس فلا تقوم الساعة حتى تفتح بلادهم ويملك ما في أيديهم المسلمون، وروي ذلك عن الكبي، وقيل: تنزعه من صناديد قريش وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ أن تعزه في الدنيا والآخرة. أو فيهما بالنصر والتوفيق وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ أن تذله في إحداهما أو فيهما من غير ممانعة الغير، وقيل: المراد تعز محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم وأصحابه بأن تدخلهم مكة ظاهرين وَتُذِلُّ أبا جهل وأضغاث الشرك بالقتل والإلقاء في القليب، وقال عطاء: تُعِزُّ المهاجرين والأنصار وَتُذِلُّ فارس والروم، وقيل: تُعِزُّ المؤمنين بالظفر والغنيمة وَتُذِلُّ اليهود بالقتل والجزية، وقيل: تُعِزُّ بالإخلاص وَتُذِلُّ بالرياء، وقيل: تُعِزُّ الأحباب بالجنة والرؤية وَتُذِلُّ الأعداء بالنار والحجاب وقيل:
تُعِزُّ بالقناعة والرضا وَتُذِلُّ بالحرص والطمع «وقيل: وقيل:» وينبغي حمل سائر الأقوال على التمثيل لأنه لا مخصص في الآية، وتُعِزُّ مضارع أعز ضد أذل، والمجرد من الهمزة منه- عز- ومضارعه يعز بكسر العين، ومنه ما في دعاء قنوت الشافعية، وله استعمالان آخران الضم والفتح، وقد نظم ذلك الإمام السيوطي بقوله:
يا قارئا كتب الآداب كن يقظا ... وحرر الفرق في الأفعال نحريرا
«عز» المضاعف يأتي في مضارعه ... تثليث عين بفرق جاء مشهورا
فما كقل وضد «الذل» مع عظم ... كذا كرمت علينا جاء مكسورا
وما- كعز- علينا الحال أي صعبت ... فافتح مضارعه إن كنت نحريرا
وهذه الخمسة الأفعال لازمة ... واضمم مضارع فعل ليس مقصورا
«عززت» زيدا بمعنى قد غلبت كذا ... أعنته فكلا ذا جاء مأثورا
وقيل: إذا كنت في ذكر القنوت ولا ... «يعز» يا رب من عاديت مكسورا
واشكر لأهل علوم الشرع إذ شرحوا ... لك الصواب وأبدوا فيه تذكيرا
بِيَدِكَ الْخَيْرُ جملة مستأنفة، وأجراها بعضهم على طرز ما قبلها، وتعريف الخير للتعميم وتقديم الخبر للتخصيص أي بِيَدِكَ التي لا يكتنه كنهها، وبقدرتك التي لا يقدر قدرها الخير كله تتصرف به أنت وحدك حسب مشيئتك لا يتصرف به أحد غيرك ولا يملكه أحد سواك، وإنما خص الخير بالذكر تعليما لمراعاة الأدب وإلا فذكر الإعزاز والإذلال يدل على أن الخير والشر كلاهما بيده سبحانه، وكذا قوله تعالى المسوق لتعليل ما سبق، وتحقيقه إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فلا يبعد أن تكون الآية من باب الاكتفاء، وقيل: إنما اقتصر عليه لما أن سبب نزول الآية