«ومن باب الاشارة في الآيات» شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ أي أبان بدلائل الآفاق والأنفس أنه لا إله في الوجود سواه، أو شهد بذاته في مقام الجمع على وحدانيته حيث لا شاهد ولا مشهود غيره، وشهد- الملائكة وأولو العلم- بذلك وهي شهادة مظاهره سبحانه في مقام التفصيل، ومن القوم من فرق بين الشهادتين بأن شهادة الملائكة من حيث اليقين وشهادة أولي العلم من حيث المشاهدة، وأيضا قالوا: شهادة الملائكة من رؤية الأفعال وشهادة أولي العلم من رؤية الصفات، وقيل: شهادة الملائكة من رؤية العظمة ولذا يغلب عليهم الخوف، وشهادة العلماء من رؤية الجمال ولذا يغلب عليهم الرجاء. وشهادة العلماء متفاوتة فشهادة بعض من الحالات، وشهادة آخرين من المقامات، وشهادة طائفة من المكاشفات، وشهادة فرقة من المشاهدات وخواص أهل العلم يشهدون به له بنعت إدراك القدم وبروز نور التوحيد من جمال الوحدانية، فشهادتهم مستغرقة في شهادة الحق لأنهم في محل المحو قائِماً بِالْقِسْطِ أي مقيما للعدل بإعطاء كل من الظهور ما هو له بحسب الاستعداد فيتجلى عليه على قدر دعائه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ فلا يصل أحد إلى معرفة كنهه وكنه معرفته الْحَكِيمُ الذي يدبر كل شيء فيعطيه من مراتب التوحيد ما يطيق إِنَّ الدِّينَ المرضي عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وهو المقام الإبراهيمي المشار إليه بقوله: أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ أي نفسي وجملتي وانخلعت عن آنيتي لله تعالى ففنيت فيه إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وهم المحجوبون عن الدين والساترون للحق بالميل مع الشهوات وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ الداعين إلى التوحيد وهم العباد الواصلون الكاملون وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ وهو نفي الأغيار وقصر الوجود الحق على الله تعالى من الناس، ويحتمل أن يشار- بالذين كفروا- إلى قوى النفس الأمارة- وبالنبيين- إلى أنبياء القلوب المشرفة بوحي إلهام الغيوب، وبالآمرين بالقسط القوى الروحانية التي هي من جنود أولئك الأنبياء وأتباعهم، فبشر أولئك الكافرين بعذاب أليم وهو عذاب الحجاب والبعد عن حضرة رب الأرباب أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أي بطلت وانحطت عن حيز الاعتبار أَعْمالُهُمْ لعدم شرطها وهو التوحيد في الدنيا وهي عالم الشهادة والآخرة وهي عالم الغيب وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ لسوء حظهم وقلة استعدادهم أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ كعلماء السوء وأحبار الضلال يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللَّهِ الناطق بمقام الجمع والفرق لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ وبين الموحدين ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ عن قبول الحق لفرط حجابهم واغترارهم بما أوتوا ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ نار البعد إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ أي قليلة يسيرة وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ الذي هم عليه ما كانُوا يَفْتَرُونَ من القضايا والأقيسة التي جاءت بها عقولهم المشوبة بظلمات الوهم والخيال فَكَيْفَ يكون حالهم إِذا جَمَعْناهُمْ بعد تفرقهم في صحراء الشكوك وتمزيق سباع الأوهام لهم لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وهو يوم القيامة الكبرى الذي يظهر فيه الحق لمنكره، ووفيت كل نفس صالحة طالحة ما كسبت بواسطة استعدادها وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ جزاء ذلك قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ أي الملك المتصرف في مظاهرك من غير معارض ولا مدافع حسبما تقتضيه الحكمة تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وهو من اخترته للرياسة الباطنة وجعلته متصرفا بإرادتك وقدرتك وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ بأن تنقله إلى غيره باستيفاء مدة إقامته في عالم الأجسام وتكميل النشأة، أو تحرم من تشاء عن إيتاء ذلك الملك لظلمه المانع له من أن ينال عهدك أو يمنح رفدك وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ بإلقاء نور من أنوار عزتك عليه فإن العزة لله جميعا وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بسلب لباس عزتك عنه فيبقى ذليلا بِيَدِكَ الْخَيْرُ كله «وأنت» القادر مطلقا تعطي على حسب مشيئتك وتتجلى طبق إرادتك وتمنح بقدر قابلية مظاهرك تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ تدخل ظلمة النفس فتستنير وتخلطهما معا مع بعد المناسبة بينهما وتخرج حي القلب من ميت النفس وميت النفس من حي القلب، أو تخرج حي العلم من ميت الجهل وميت الجهل من حي العلم وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ من النعم الظاهرة والباطنة، أو من إحداهما فقط بِغَيْرِ حِسابٍ إذ لا حجر عليك.