المتقدم نحو غلام هند ضربت هي، والآية من هذا القبيل على ذلك التخريج لأن الفاعل بيودّ عائد على شيء اتصل بمعمول- يودّ- وهو يوم لأنه مضاف إلى تجد كل نفس، والتقدير تودّ كل نفس يوم وجدانها ما عملت من خير وشر مُحْضَراً لو أن بينها إلخ، وجمهور البصريين على جواز ذلك وهو الصحيح، ومنه قوله:
أجل المرء يستحث- ولا يد ... ري- إذا يبتغي حصول الأماني
أي المرء في وقت ابتغائه حصول الأماني يستحث أجله ولا يدري، والفراء. والأخفش. وغيره من البصريين على عدم الجواز لأن هذا المعمول فضلة فيجوز الاستغناء عنه، وعود الضمير على ما اتصل به يخرجه عن ذلك لأنه يلزم ذكر المعمول ليعود الضمير الفاعل على ما اتصل به ولا يخفى وهنه «وفي الآية أوجه أخر» منها أن ناصب الظرف قدير، ولا يرد عليه تقييد قدرته سبحانه بذلك اليوم لأنه إذ قدر في مثله علم قدرته في غيره بالطريق الأولى، ومنها أنه منصوب بالمصير. أو بالذكر. أو بيحذركم مقدرا فيكون مفعولا به. أو بالعقاب المضاف الذي أشعر به كلام ابن عباس رضي الله تعالى عنه، وصرحوا بأنه على تقدير تعلقه بنحو- اذكروا- يجوز في ما عَمِلَتْ أن يكون مبتدأ خبره حملة تَوَدُّ وأن يكون معطوفا على ما الأولى، وجملة تَوَدُّ إما مستأنفة جوابا لسؤال مقدر كأن سائلا قال حين أمروا بذكر ذلك اليوم. فماذا يكون إذ ذاك؟ فقيل: تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها إلخ، أو حال من فاعل تَجِدُ أي- اذكروا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير وشر محضرا وادّت تباعد ما بينها وبينه- وجوز أن يكون حالا من ضمير عَمِلَتْ لقربه، واعترض بأن- الوداد- إنما هو وقت وجدان العمل حاضرا في الآخرة لا وقت العمل في الدنيا، والحالية من ضمير عَمِلَتْ تقتضيه فلا وجه لها، وأجيب بأنها حال مقدرة على معنى يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ كذا مقدرا وداده- أي حال كونه ثابتا في قدرنا وداده- فالوداد وإن لم يكن مقارنا للعمل إلا أن كون الوداد ثابتا في قدر الله تعالى وقضائه مقارن له، وهذا مثل ما قيل في قوله تعالى وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ [الصافات: ١١٢] ، واعترض أيضا بأنه على تقدير الحالية من ضمير عَمِلَتْ يلزم تخصيص العمل والمقام لا يناسب، وأجيب بأنه ليس القصد التخصيص بل بيان سوء حالهم وحسرتهم ولا بأس به، وجوز أيضا أبو البقاء أن تكون ما في ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ شرطية- وإلى ذلك مال السفاقسي- ورفع تَوَدُّ ليس بمانع لأنه إذا كان الشرط ماضيا والجزاء مضارعا جاز في الجزاء الرفع والجزم من غير تفرقة بين إن الشرطية وأسماء الشرط، واعترض بأن رفع المضارع في الجزاء شاد كرفعه في الشرط كما نص عليه المبرد وشهد به الاستعمال حيث لم يوجد إلا في قول زهير:
«وإن» أتاه خليل يوم مسغبة ... يقول لا غائب مالي ولا حرم
فلا يستسهل تخريج القراءة المتفق عليها عليه، نعم لا بأس بتخريج الشواذ كقراءة أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ [النساء: ٧٨] يرفع يدرك عليه، وأجيب بأنا لا نسلم الشذوذ، وقد ذكر أبو حيان أن الرفع مسموع كثيرا في لسان العرب حتى ادعى بعض المغاربة أنه أحسن من الجزم. وبيت زهير مثله قول أبي صخر:
ولا بالذي إن بان منه حبيبه ... يقول ويخفي الصبر إني لجازع
وقول الآخر:
إن يسألوا الخير يعطوه وإن خبروا ... في الجهد أدرك منهم طيب إخبار
برفع أدرك وهو مضارع وقع جواب الشرط، وقوله:
وإن بعدوا لا يأمنون اقترابه ... تشوف أهل الغائب المنتظر
إلى غير ذلك، وفي البحر: إن ضعف تخريج الرفع على ذلك ليس بذلك لما علمت ولكن يمتنع أن يكون ما في