للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ابن عباس. والحسن رضي الله تعالى عنهم أنهم من كان على دينه كآل محمد صلّى الله عليه وسلم في أحد الإطلاقات، والمراد بآل عمران عيسى عليه الصلاة والسلام وأمه مريم بنت عمران بن ماثان من ولد سليمان بن داود عليهما السلام قاله الحسن ووهب، وقيل: المراد بهم موسى وهارون عليهما السلام، فعمران حينئذ هو عمران بن يصهر أبو موسى- قاله مقاتل- وبين العمرانين ألف وثمانمائة سنة. والظاهر هو القول الأول- لأن السورة تسمى آل عمران ولم تشرح قصة عيسى ومريم في سورة أبسط من شرحها في هذه السورة، وأما موسى، وهارون فلم يذكر من قصتهما فيها طرف فدل ذلك على أن عمران المذكور هو أبو مريم، وأيضا يرجح كون المراد به أبا مريم أن الله تعالى ذكر اصطفاءها بعد ونص عليه وأنه قال سبحانه: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ [آل عمران: ٣٥] إلخ، والظاهر أنه شرح لكيفية الاصطفاء المشار إليه بقوله تعالى:

وَآلَ عِمْرانَ فيكون من قبيل تكرار الاسم في جملتين فيسبق الذهن إلى أن الثاني هو الأول نحو أكرم زيدا إن زيدا رجل فاضل، وإذا كان المراد بالثاني غير الأول كان في ذلك إلباس على السامع، وترجيح القول الأخير بأن موسى يقرن بإبراهيم في الذكر ليس في القوة- كمرجح الأول كما لا يخفى، والاصطفاء الاختيار، وأصله أخذ صفوة الشيء كالاستصفاء، ولتضمينه معنى التفضيل عدي بعلى، والمراد- بالعالمين- أهل زمان كل واحد منهم أي اصطفى كل واحد منهم على عالمي زمانه، ويدخل الملك في ذلك، والتأويل خلاف الأصل.

ومن هنا استدل بعضهم بالآية على أفضلية الأنبياء على الملائكة، ووجه الاصطفاء في جميع الرسل أنه سبحانه خصهم بالنفوس القدسية وما يليق بها من الملكات الروحانية والكمالات الجسمانية حتى إنهم امتازوا كما قيل: على سائر الخلق خلقا وخلقا وجعلوا خزائن أسرار الله تعالى ومظهر أسمائه وصفاته ومحل تجليه الخاص من عباده ومهبط وحيه ومبلغ أمره ونهيه، وهذا ظاهر في المصطفين المذكورين في الآية من الرسل، وأما مريم فلها الحظ الأوفر من بعض ذلك، وقيل: اصطفى آدم بأن خلقه بيديه وعلمه الأسماء وأسجد له الملائكة وأسكنه جواره، واصطفى نوحا بأنه أول رسول بعث بتحريم البنات، والأخوات، والعمات، والخالات، وسائر ذوي المحارم وأنه أب الناس بعد آدم وباستجابة دعوته في حق الكفرة والمؤمنين، واصطفى آل إبراهيم بأن جعل فيهم النبوة والكتاب، ويكفيهم فخرا أن سيد الأصفياء منهم، واصطفى عيسى وأمه بأن جعلهما آية للعالمين.

وإن أريد بآل عمران موسى وهارون فوجه اصطفاء موسى عليه الصلاة والسلام تكليم الله تعالى إياه وكتابة التوراة له بيده، ووجه اصطفاء هارون جعله وزيرا لأخيه، وأما اصطفاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام فمفهوم بطريق الأولى وعدم التصريح به للايذان بالغنى عنه لكمال شهرة أمره بالخلة، وكونه شيخ الأنبياء وقدوة المرسلين، وأما اصطفاء نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم فيفهم من دخوله في آل إبراهيم كما أشرنا إليه وينضم إليه أن سياق هذا المبحث لأجله كما يدل عليه بيان وجه المناسبة في كلام شيخ الإسلام، وروي عن أئمة أهل البيت أنهم يقرؤون- وآل محمد على العالمين- وعلى ذلك لا سؤال، ومن الناس من قال: المراد بآل إبراهيم محمد صلى الله تعالى عليه وسلم جعل كأنه كل الآل مبالغة في مدحه، وفيه أن نبينا وإن كان في نفس الأمر بمنزلة الأنبياء كلهم فضلا عن آل إبراهيم فقط إلا أن هذه الإرادة هنا بعيدة، ويشبه ذلك في البعد بل يزيد عليه ما ذكره بعضهم في الآية أنه لما أمرهم بمتابعته صلى الله تعالى عليه وسلم وإطاعته، وجعل إطاعته ومتابعته سببا لمحبة الله تعالى إياهم وعدم إطاعته سببا لسخط الله تعالى عليهم وسلب محبته عنهم أكد ذلك بتعقيبه بما هو عادة الله تعالى من اصطفاء أنبيائه على مخالفيهم وقمعهم وتذليلهم وإعدامهم لهم تخويفا لهؤلاء المتمردين عن متابعته صلى الله تعالى عليه وسلم فذكر اصطفاء آل إبراهيم على العالم مع أن العالم كانوا كافرين فجعل دينهم شائعا وذلل مخالفيهم، واصطفاء موسى وهارون على العالم

<<  <  ج: ص:  >  >>