ربك عن نقائص التقيد بالمظاهر بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ أي وقتي الصحو والمحو.
وبعض الملتزمين لذكر البطون ذكر في تطبيق ما في الآفاق على ما في الأنفس أن القوى البدنية امرأة عمران الروح نذرت ما في قوتها من النفس المطمئنة فوضعت أنثى النفس فكفلها زكريا الفكر فدخل عليها زكريا محراب الدماغ فوجد عندها رزقا من المعاني الحدسية التي انكشفت لها بصفائها فهنالك دعا زكريا الفكر بتركيب تلك المعاني واستوهب ولدا مقدسا من لوث الطبيعة فسمع الله تعالى دعاءه فنادته ملائكة القوى الروحانية وهو قائم في أمره بتركيب المعلومات يناجي ربه باستنزال الأنوار في محراب الدماغ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى العقل مصدقا بعيسى القلب الذي هو كلمة من الله لتقدسه عن عالم الإجرام وَسَيِّداً لجميع أصناف القوى وَحَصُوراً عن مباشرة الطبيعة وَنَبِيًّا بالإخبار عن المعارف والحقائق وتعليم الأخلاق ومنتظما في سلك الصالحين وهم المجردات ومقربو الحضرة قالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ ذلك وَقَدْ بَلَغَنِيَ كبر منتهى الطور وَامْرَأَتِي وهي طبيعة الروح النفسانية عاقِرٌ بالنور المجرد فطلب لذلك علامة فقيل له: علامة ذلك الإمساك عن مكالمة القوى البدنية في تحصيل مآربهم من اللذائذ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ كل يوم عقد تام من أطوار العمر وهو عشر سنين أَلَّا بالإشارة الخفية، وأمر بالذكر في هذه الأيام التي هي مع العشر الأول التي هي سنن التمييز أربعون سنة انتهى- وهو قريب مما ذكرته- ولعل ما ذكرته على ضعفي أولى منه، وباب التأويل واسع وبطون كلام الله تعالى لا تحصى وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ تتمة لشرح أحكام اصطفاء آل عمران، ووقعت قصة زكريا. ويحيى عليهما السلام في البين لما فيها مما يؤكد ذلك الاصطفاء، وَإِذْ في المشهور منصوب بذكر، والجملة معطوفة على الجملة السابقة عطف القصة على القصة وبينهما كمال المناسبة لأن تلك مسوقة أولا وبالذات لشرح حال الأم وهذه لشرح حال البنت، والمراد من الملائكة رئيسهم جبريل عليه السلام والكلام هنا كالكلام فيما تقدم، وجوز أبو البقاء كون الظرف معطوفا على الظرف السابق وناصبه ناصبه والأول أولى، والمراد اذكر أيضا من شواهد اصطفاء أولئك الكرام وقت قول الملائكة عليهم السلام يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ أي اختارك من أول الأمر ولطف بك وميزك على كل محرر وخصك بالكرامات السنية، والتأكيد اعتناء بشأن الخبر وقول الملائكة لها ذلك كان شفاها على ما دلت عليه الأخبار ونطقت به الظواهر، وفي بعض الآثار ما يقتضي تكرر هذا القول من الملائكة لها، فقد أخرج ابن جرير عن ابن إسحق أنه قال: كانت مريم حبيسا في الكنيسة ومعها فيها غلام اسمه يوسف وقد كان أمه وأبوه جعلاه نذيرا حبيسا فكانا في الكنيسة جميعا وكانت مريم إذا نفذ ماؤها وماء يوسف أخذا قلتيهما فانطلقا إلى المغارة التي فيها الماء فيملآن ثم يرجعان والملائكة في ذلك مقبلة على مريم بالبشارة يا مريم إِنَّ اللَّهَ اصْطَفاكِ الآية فإذا سمع ذلك زكريا عليه السلام قال: إن لابنة عمران لشأنا. وقيل: إن الملائكة عليهم السلام ألهموها ذلك، ولا يخفى أن تفسير القول بالإلهام وإسناده للملائكة خلاف الظاهر وإن كان لا منع من أن يكون بواسطتهم أيضا على أنه قول لا يعضده خبر أصلا، وعلى القول الأول يكون التكليم من باب الكرامة التي يمنّ بها الله سبحانه على خواص عباده، ومن أنكرها زعم أن ذلك إرهاص وتأسيس لنبوة عيسى عليه السلام أو معجزة لزكريا عليه السلام، وأورد على الأول أن الإرهاص في المشهور أن يتقدم على دعوى النبوة ما يشبه المعجزة كاظلال الغمام لرسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم وتكلم الحجر معه، وهذا بظاهره يقتضي وقوع الخارق على يد النبي لكن قبل أن ينبأ لا على يد غيره كما فيما نحن فيه، ويمكن أن يدفع بالعناية وأورد على الثاني بأنه بعيد جدا إذ لم يقع الكلام مع زكريا عليه السلام ولم يقترن ذلك بالتحدي أيضا فكيف يكون معجزة له، واستدل بهذه الآية من ذهب إلى نبوة مريم لأن تكليم الملائكة يقتضيها، ومنعه اللقاني بأن الملائكة قد كلموا من ليس بنبي إجماعا فقد روي