أنهم كلموا رجلا خرج لزيارة أخ له في الله تعالى وأخبروه أن الله سبحانه يحبه كحبه لأخيه فيه ولم يقل أحد بنبوته، وادعى أن من توهم أن النبوة مجرد الوحي ومكالمة الملك فقد حاد عن الصواب.
ومن الناس من استدل على عدم استنباء النساء بالإجماع وبقوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالًا [الأنبياء:
٧] ولا يخفى ما فيه، أما أولا فلأن حكاية الإجماع في غاية الغرابة فإن الخلاف في نبوة نسوة- كحواء، وآسية، وأم موسى، وسارة، وهاجر، ومريم- موجود خصوصا مريم فإن القول بنبوتها شهير، بل مال الشيخ تقي الدين السبكي في الحلبيات، وابن السيد إلى ترجيحه، وذكر أن ذكرها مع الأنبياء في سورتهم قرينة قوية لذلك.
وأما ثانيا فلأن الاستدلال بالآية لا يصح لأن المذكور فيها الإرسال وهو أخص من الاستنباء على الصحيح المشهور، ولا يلزم من نفي الأخص نفي الأعم فافهم وَطَهَّرَكِ أي من الأدناس والأقذار التي تعرض للنساء مثل الحيض والنفاس حتى صرت صالحة لخدمة المسجد- قاله الزجاج- وروي عن الحسن، وابن جبير أن المراد طهرك بالإيمان عن الكفر وبالطاعة عن المعصية، وقيل: نزهك عن الأخلاق الذميمة والطباع الرديئة، والأولى الحمل على العموم أي طهرك من الأقذار الحسية والمعنوية والقلبية والقالبية.
وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ يحتمل أن يراد بهذا الاصطفاء غير الاصطفاء الأول وهو ما كان آخرا من هبة عيسى عليه السلام لها من غير أب ولم يكن ذلك لأحد من النساء، وجعلها وإياه آية للعالمين، ويحتمل أن يراد به الأول وكرر للتأكيد وتبيين من اصطفاها عليهن، وعلى الأول يكون تقديم حكاية هذه المقاولة على حكاية بشارتها بعيسى عليه السلام للتنبيه على أن كلا منهما مستحق للاستقلال بالتذكير وله نظائر قد مر بعضها، وعلى الثاني لإشكال في الترتيب، وتكون حكمة تعقدم هذه المقاولة- على البشارة- الإشارة إلى كونها عليها السلام قبل ذلك مستعدة لفيضان الروح عليها بما هي عليه من التبتل والانقياد حسب الأمر، ولعل الأول أولى- كما قال الإمام- لما أن التأسيس خير من التأكيد «والمراد من نساء العالمين» قيل: جميع النساء في سائر الأعصار، واستدل به على أفضليتها على فاطمة، وخديجة، وعائشة رضي الله تعالى عنهن، وأيد ذلك بما
أخرجه ابن عساكر في أحد الطرق عن ابن عباس أنه قال: «قال رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم: سيدة نساء أهل الجنة مريم بنت عمران، ثم فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية امرأة فرعون»
وبما أخرجه ابن أبي شيبة عن مكحول، وقريب منه ما
أخرجه الشيخان عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: خير نساء ركبن الإبل نساء قريش أحناه على ولد في صغره وأرعاه على بعل في ذات يده ولو علمت أن مريم ابنة عمران ركبت بعيرا ما فضلت عليها أحدا»
وبما
أخرجه ابن جرير عن فاطمة صلى الله تعالى على أبيها وعليها وسلم أنها قالت: «قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم البتول» .
وقيل: المراد نساء عالمها فلا يلزم منه أفضليتها على فاطمة رضي الله تعالى عنها، ويؤيده ما
أخرجه ابن عساكر من طريق مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه قال: «أربع نسوة سادات عالمهن:
مريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد صلّى الله عليه وسلم وأفضلهن عالما فاطمة»
وما
رواه الحرث بن أسامة في مسنده بسند صحيح لكنه مرسل «مريم خير نساء عالمها»
وإلى هذا ذهب أبو جعفر رضي الله تعالى عنه وهو المشهور عن أئمة أهل البيت- والذي أميل إليه- أن فاطمة البتول أفضل النساء المتقدمات والمتأخرات من حيث إنها بضعة رسول الله صلّى الله تعالى عليه وسلم بل ومن حيثيات أخر أيضا، ولا يعكر على ذلك الأخبار السابقة لجواز أن يراد بها أفضلية غيرها غليها من بعض الجهات وبحيثية من الحيثيات- وبه يجمع بين الآثار- وهذا سائغ على القول بنبوة مريم أيضا إذ البضعية من روح الوجود وسيد كل موجود لا أراها تقابل بشيء وأين الثريا يد