للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المتناول ومن هنا يعلم أفضليتها على عائشة رضي الله تعالى عنها الذاهب إلى خلافها الكثير محتجين

بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم: «خذوا ثلثي دينكم عن الحميراء»

وقوله عليه الصلاة والسلام: «فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام»

وبأن عائشة يوم القيامة في الجنة مع زوجها رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وفاطمة يومئذ فيها مع زوجها علي كرم الله تعالى وجهه، وفرق عظيم بين مقام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ومقام علي كرم الله تعالى وجهه.

وأنت تعلم ما في هذا الاستدلال وأنه ليس بنص على أفضلية الحميراء على الزهراء، وأما أولا فلأن قصارى ما في الحديث الأول على تقدير ثبوته إثبات أنها عالمة إلى حيث يؤخذ منها ثلثا الدين، وهذا لا يدل على نفي العلم المماثل لعلمها عن بضعته عليه الصلاة والسلام، ولعلمه صلى الله تعالى عليه وسلم أنها لا تبقى بعده زمنا معتدا به يمكن أخذ الدين منها فيه لم يقل فيها ذلك، ولو علم لربما قال: خذوا كل دينكم عن الزهراء، وعدم هذا القول في حق من دل العقل والنقل على علمه لا يدل على مفضوليته وإلا لكانت عائشة أفضل من أبيها رضي الله تعالى عنه لأنه لم يرو عنه في الدين إلا قليل لقلة لبثه وكثرة غائلته بعد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم على أن

قوله عليه الصلاة والسلام: «إني تركت فيكم الثقلين كتاب الله تعالى وعترتي لا يفترقان حتى يردا على الحوض»

يقوم مقام ذلك الخبر وزيادة- كما لا يخفى- كيف لا وفاطمة رضي الله تعالى عنها سيدة تلك العترة؟! وأما ثانيا فلأن الحديث الثاني معارض بما يدل على أفضلية غيرها رضي الله تعالى عنها عليها،

فقد أخرج ابن جرير عن عمار بن سعد أنه قال: «قال لي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: فضلت خديجة على نساء أمتي كما فضلت مريم على نساء العالمين»

بل هذا الحديث أظهر في الأفضلية وأكمل في المدح عند من انجاب عن عين بصيرته عين التعصب والتعسف لأن ذلك الخبر وإن كان ظاهرا في الأفضلية لكنه قيل ولو على بعد: إن- أل- في النساء فيه للعهد والمراد بها الأزواج الطاهرات الموجودات حين الاخبار ولم يقل مثل ذلك في هذا الحديث.

وأما ثالثا فلأن الدليل الثالث يستدعي أن يكون سائر زوجات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل من سائر الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام لأن مقامهم بلا ريب ليس كمقام صاحب المقام المحمود صلى الله تعالى عليه وسلم فلو كانت الشركة في المنزل مستدعية للأفضلية لزم ذلك قطعا ولا قائل به.

وبعد هذا كله الذي يدور في خلدي أن أفضل النساء فاطمة. ثم أمها، ثم عائشة. بل لو قال قائل إن سائر بنات النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل من عائشة لا أرى عليه بأسا، وعندي بين مريم. وفاطمة توقف نظرا للأفضلية المطلقة، وأما بالنظر إلى الحيثية فقد علمت ما أميل إليه، وقد سئل الإمام السبكي عن هذه المسألة فقال: الذي نختاره وندين الله تعالى به أن فاطمة بنت محمد صلى الله تعالى عليه وسلم أفضل. ثم أمها. ثم عائشة- ووافقه في ذلك البلقيني- وقد صحح ابن العماد أن خديجة أيضا أفضل من عائشة لما ثبت

أنه عليه الصلاة والسلام قال لعائشة حين قالت: قد رزقك الله تعالى خيرا منها، فقال لها: لا والله ما رزقني الله تعالى خيرا منها آمنت بي حين كذبني الناس وأعطتني مالها حين حرمني الناس.

وأيد هذا بأن عائشة أقرأها السلام النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من جبريل، وخديجة أقرأها السلام جبريل من ربها، وبعضهم لما رأى تعارض الأدلة في هذه المسألة توقف فيها- وإلى التوقف مال القاضي أبو جعفر الستروشني منا- وذهب ابن جماعة إلى أنه المذهب الأسلم.

وأشكل ما في هذا الباب حديث الثريد ولعل كثرة الأخبار الناطقة بخلافه تهون تأويل واحد لكثير أهون من تأويل كثير لواحد، والله تعالى هو الهادي إلى سواء السبيل يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ الظاهر أنه من مقول الملائكة أيضا

<<  <  ج: ص:  >  >>