والمراد من الموصول اليهود، وأتى بالظاهر- على ما قيل- دون الضمير: إشارة إلى علة النجاسة وهي الكفر.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الحسن أن المراد من الموصول: اليهود، والنصارى، والمجوس، وكفار قومه وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ قال قتادة. والحسن، وابن جريج. وخلق كثير: هم أهل الإسلام اتبعوه على ملته وفطرته من أمة محمد صلى الله تعالى عليه وسلم فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا وهم اليهود وسائر من شمله هذا المفهوم فإن المؤمنين يعلونهم بالحجة، أو السيف في غالب الأمر.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد أن المراد من الموصول الأول النصارى، ومن الثاني اليهود وقد جعل سبحانه النصارى فوق اليهود فليس بلد فيه أحد من النصارى إلا وهم فوق اليهود في شرق الدنيا وغربها، وعلى هذا يكون المراد من الأتباع مجرد الادعاء والمحبة ولا يضر في غلبتهم على اليهود غلبة المسلمين عليهم، وإذا أريد بالأتباع ما يشمل أتباع المسلمين، وهذا الأتباع يصح أن يراد بالمتبعين ما يشمل المسلمين والنصارى مطلقا من آمن به قبل مجيء نبينا صلى الله تعالى عليه وسلم ونسخ شريعته، ومن آمن بزعمه بعد ذلك- وقد يراد من الأتباع- الأتباع بالمعنى الأول فيجوز أن يراد من المبتعين المسلمون، والقسم الأول من النصارى، وتخصيص المتبعين بهذه الأمة- وحمل الأتباع على المجيء بعد- مما لا ينبغي أن يخرج عليه الكتاب الكريم كجعل الخطاب للنبي صلى الله تعالى عليه وسلم وأن الوقف على الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ متعلق بالجعل أو بالاستقرار المقدر في الظرف، وليس المراد إن ذلك ينتهي حينئذ ويتخلص الَّذِينَ كَفَرُوا من الذلة بل المراد أن المتبعين يعلونهم إلى تلك الغاية فأما بعدها فيفعل الله تعالى ما يريد.
ومن الناس من حمل الفوقية- على العلو الرتبي والفوقية بحسب الشرف وجعل التقييد بيوم القيامة للتأبيد كما في قولهم ما دامت السماء، وما دار الفلك بناء على ظن أن عدم انتهاء علو المؤمنين وذلة الكافرين إلى ذلك اليوم موجب لهذا الجعل- وليس بذلك ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ أي مصيركم بعد يوم القيامة ورجوعكم، والضمير لعيسى عليه السلام والطائفتين، وفيه تغليب على الأظهر، وثُمَّ للتراخي وتقديم الظرف للقصر المفيد لتأكيد الوعد والوعيد، ويحتمل أن يكون الضمير لمن اتبع وكفر فقط، وفيه التفات للدلالة على شدة إرادة إيصال الثواب والعقاب لدلالة الخطاب على الاعتناء.
فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ أي فأقضي بينكم إثر رجوعكم إليّ ومصيركم بين يدي فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من أمور الدين، أو من أمر عيسى عليه السلام، والظرف متعلق بما بعده وقدم رعاية للفواصل.
فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً تفسير للحكم المدلول عليه بقوله سبحانه: فَأَحْكُمُ وتفصيل له على سبيل التقسيم بعد الجمع، وإلى ذلك ذهب كثير من المحققين، واعترض بأن الحكم مرتب على الرجوع إلى الله تعالى وذلك في القيامة لا محالة، فكيف يصح تفسيره بالعذاب المقيد بقوله تعالى: فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ؟
وأجيب بوجوه، الأول أن المقصود التأبيد وعدم الانقطاع من غير نظر إلى الدنيا والآخرة، الثاني أن المراد بالدنيا والآخرة مفهومهما اللغوي أي الأول والآخر، ويكون ذلك عبارة عن الدوام وهذا أبعد من الأول جدا.
الثالث ما ذكر صاحب الكشف من أن المرجع أعم من الدنيوي والأخروي، وقوله سبحانه: إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ غاية الفوقية لا غاية الجعل، والرجوع متراخ عن الجعل وهو غير محدود على وزان قولك: سأعيرك سكنى هذا البيت إلى شهر ثم أخلع عليك بثوب من شأنه كذا وكذا فإنه يلزم تأخر الخلع عن الإعارة لا الخلع، وعلى هذا توفية الأجر لغنم الدارين، ولا يخفى أن في لفظ كُنْتُمْ في قوله جل وعلا: فِيما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ بعض نبوة